1Assistant Professor, Department of Arabic, Mahitosh Nandy Mahavidyalaya, Jangipara, Hooghly, West Bengal
DOI: 10.55559/sjaes.v1i01.3 | Received: 02.01.2022 | Accepted: 20.01.2022 | Published: 13.02.2022
ABSTRACT
The phenomenon of globalization emerged during the nineties of the twentieth century. It became one of the most widely used terms and occupied a leading position in the seminars and conferences. It effected various areas of life, its effects appeared in all its sectors especially in politics, economy, culture and the media. There are several factors which have combined to contribute to its consolidation and spread in the world. The first and foremost is communicative technological progress and influence of the media at the global level. The media has contributed immensely to the marketing of the phenomenon of globalization and the consolidation of its values and goals, which are summarized in the melting of the world in one crucible, one style in food, clothing, customs and traditions, the abolition of international barriers to impose the global capitalist system, the creation of a modern feudal system through the penetration of multinational companies around the world and the influence of international organizations, legislation of the law of the jungle “Might is Right”, enrichment of the rich and making the poor poorer. This research article talks about the impact of globalization on contemporary Arab media, and discusses whether it is responsible for a social change that has not been seen in previous centuries? Did it cause cultural and linguistic homogenization at the global level? What are its advantages and shortcomings? What is the best way to deal with media globalization?
Keywords: Arab media, globalization, media globalization, cultural and linguistic hegemony, the Arab world, Media orientalism
الملخص:
برزت ظاهرة العولمة خلال عقد التسعينات من القرن العشرين، وأصبحت من أكثر المصطلحات تداولاً وانتشارا، واحتلت مكانة الصدارة في الندوات والمؤتمرات، وأثرت في مجالات الحياة المختلفة، وظهرت آثارها في كل قطاعاتها ولاسيما في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام، وقد تضافرت عوامل عديدةأسهمت في تدعيمها وانتشارها في العالم انتشار النار في الهشيم، ويأتي في مقدمتها التقدم التكنولوجي التواصلي والنفوذ الواسع والفاعل للإعلام على الصعيد العالمي. والإعلام أسهم إسهاما فعالا في تسويق ظاهرة العولمة، وتكريس قيمها وأهدافها والتي تتلخص في صهر العالم في بوتقة واحدة ونمط واحد في الأكل والملبس والعادات والتقاليد، وإلغاء الحواجز الدولية لفرض النظام الرأسمالي العالمي، وخلق نظام الإقطاعية الحديثة عبرتغلغل الشركات متعددة الجنسيات في أرجاء العالم وسطوة المنظمات الدولية، وتشريع قانون الغاب "من غلب، سلب" وإثراء الثري وإفقار الفقير. هذا المقال البحثي، يتحدث عن أثر العولمة على الإعلام العربي المعاصر، ويناقش هل هي مسؤولة عن التغير الاجتماعي الذي لم يسبق له مثيل في القرون السالفة؟ وهل هي سبّبت المجانسة الثقافية واللغوية على الصعيد العالمي؟ وما هي ميزاتها ونقائصها؟ وما هو الطريق الأمثل للتعامل مع العولمة الإعلامية؟
الكلمات الرئيسة:
الإعلام العربي، العولمة، العولمة الإعلامية، الهيمنة الثقافية واللغوية، العالم العربي. الاستشراق الإعلامي.
يحتل موضوع العولمة والإعلام أهمية كبيرة نظراً إلى أثرهما البالغ في حياة الفرد والجماعة، وهما يرتبطان بارتبطات وثيقة، وأحدهما هو نتيجة الآخر، فتمخضت العولمة من بطن الإعلام، فإذا قلنا: العولمة هي سيطرة الدول الأمريكية والأوروبية في جميع قطاعات الحياة بأساليب مختلفة، وتلوين العالم بلون الثقافة المهيمنة، فالإعلام يمهد السبيل إلى هذه السيطرة والهيمنة عبر وسائله المختلفة من مثل التلفاز والإنترنت والراديو وجيمع الأدوات التواصلية التي قصرت المسافات بين الدول وجعلت العالم قرية صغيرة، وقبل الخوض في الموضوع، ينبغي لنا أن نعرف ما هي العولمة؟
العولمة لغة:
العولمة رباعي مخترع على وزن الصيعة الصرفية فوعلة ودحرجة، ومعناها تحويل الشيئ إلى وضعية أخرى أو وضع الشيئ على مستوى العالم،[1]ومجمع اللغة العربية بالقاهرة استخدم العولمة بمعنى جعل الشيئ عالمياً،[2] وفي معجم Webster’s نجد المعنى اللغوي للعولمة أنها اكساب الشيئ طابع العالمية، ولاسيما جعل نطاق الشيئ أو تطبيقه عالمياً.[3]
العولمة اصطلاحا:
تعددت معاني العولمة اصطلاحا بتعدد رؤى الباحثين والعلماء حولها، فيعتبرها البعض نعمة والآخرون نقمة، وقد عرّف المفكر البريطاني رونالد روبرتسون بأنها "اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش"[4]، كما يعرفها مالكوم واترز بأنها: "كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد"،[5] وعرفها حسين نصار قائلا: هي إزالة الفواصل بين أقطار العالم لتصير الكرة الأرضية كلها قرية عالمية[6]. وذهب كل من الألمانيين "هانس بيترمارتن وهارالد شومان" صاحبا كتاب فخ العولـمة إلى أنّ: "العولـمة هي عملية الوصول بالبشرية إلى نمط واحد، في التغيير والأكل والملبس والعادات والتقاليد[7]. وشذ عن هؤلاء فيليب لابارد وبرنار ماري الذين يقولان بأن العولمة "ليست أكثر من عودة إلى نمط متوحش من الرأسمالية، أي عودة إلى شريعة الغاب الفلتان وسيادة القانون أو الوضعية التي كانت الرأسمالية تعيشها ما قبل الحربين العالميتين“. [8]
وهناك تعاريف مختلفة ماعداها، وكل تعريف يركز على جانب أو جوانب خاصة للعولمة، لأنها تتناول نواحي متعددة من الحياة، ولها تأثيرات عديدة في كافة المجالات، وجمعها في تعريف واف وشامل صعب للغاية، وهي ظاهرة قديمة، ظهرت في مختلف العصور في تجليات مختلفة. وأشار إليه الدكتورحسن حنفي بقوله: العولمة ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة قدم التاريخ، عندما تتصدر حضارة ما لباقي الحضارات وتقود العالم. فالعولمة ليست ظاهرة اقتصادية أو سياسية أو تقنية أو معلوماتية فحسب، بل هي ظاهرة تاريخية مستمرة.[9]
وفي العصر الحاضر، ابتدع هذا المصطلح الباحث الاجتماعي الكندي مارشال ماك لوهان في نهاية الستينات في القرن العشرين في كتابه " الحرب والسلام في القرية الكونية" وكان أستاذ الإعلاميات في جامعة تورنتو، و قد بيّن في كتابه الدور الذي لعبه التلفزيون الأمريكي في الحرب على فيتنام،[10] وانطلاقا من ذلك، يمكن لنا القول إن العولمة يتصل بالإعلام أكثر مما يتصل بعلم الاقتصاد، وهذا يبدو منطقيا أيضا، لأن الإعلام وحده هوالجسر الذي يتم به نقل الأفكار العولمية ونظرياتها إلى العالم وترسيخ مبادئها وأهدافها في الدول النامية والشعوب المتخلفة.
الفرق بين العولمة والعالمية:
يجدر بنا التنبيه إلى أن كثيرا من الناس يفهمون أن العولمة والعالمية وجهان لعملة واحدة، والصحيح أن هناك فرقاً جوهريا بينهما، فالعولمة هي إرادة للهيمنة، وبالتالي فهي تعني إقصاء الخصوصية، أما العالمية فهي عبارة عن طموح إلى الارتقاء بالخصوصية إلى مستوى عالمي، ويمكن لنا فهم الفرق على هذا النحو أيضا، أن العولمة احتواء للعالم، والعالمية انفتاح على كل ما هو عالمي وكوني.[11]
أهداف العولمة و مظاهرها:
لابد لنا أن نعرف أهداف العولمة ومظاهرها حتى يمكن لنا فهم آثارها على الإعلام، فكما هو المعلوم أن للعولمة مفاهيم متعددة وأبعادا متنوعة فهناك العولمة الاقتصادية، والعولمة السياسية، وعولمة اللغة، وعولمة التعليم، والعولمة الثقافية، والعولمة الاتصالية، والعولمة العقدية أوالدينية، والعولمة العسكرية، والعولمة الفكرية،والعولمة الإدارية والعولمة التقنية وغيرها، وأهدافها ومظاهرها أيضا متشعبة ومتنوعة، جمعها الدكتورعبد الباسط سلمان في كتابه عولمة القنوات الفضائية، وهي ما يلي:
ها هي الأهداف التي يعمل لها الإعلام ليلاً و نهاراً لتحقيقها في أرض الواقع، ولايمكن تحقيقها إلا به، ولذا تمتلك أمريكا 90% من صناعة الإعلام عالميا، وعن طريقه، توغلت في كل دولة، ودخلت في كل بيت، وتخاطب كل عقل لترسيخ مبادئ العولمة فيه، وفرضت على العالم استعمارا جديدا، وحصلت على سلطوية في كل أمر.
ما هو الإعلام:
الإعلام لغة:
الإعلام مصدر الفعل الرباعي أعلمَ، يقال: أعلَمَ يُعلِمُ إعلاماً، وأعلمتُه بالأمر: أبلغته إياه، وأطلعته عليه[13]،
يقول الدكتور محمود سفر: الإعلام في اللغة: التبليغ.[14]
الإعلام اصطلاحا:
أما الإعلام في الاصطلاح فله عدة تعريفات نذكر منها بعضها ، وهي كما يلي.
هاهي بعض التعريفات، واتضح لنا من خلالها أن الإعلام هو أداة التواصل، ونقل المعلومات إلى الجمهور بوسائله المختلفة، وهي كثيرة، بعضها مرئية، وبعضها مسموعة، وأخرى مقروءة، ومن أهمها، التلفاز والانترنت والراديو والجوال والصحف والمجلات واللوحات الإعلامية والفيديو والاتصال متعدد الوسائط وغيرها كثير. وقد أثرت العولمة على وسائل الإعلام المختلفة بطرق متنوعة، فلم تسلم أية وسيلة إعلامية من آثارها سواء كانت إيجابا أم سلباً.
أثر العولمة على الإعلام العربي:
إن العولمة لايمكن فصلها عن الإعلام وأدوات التواصل والاتصال، فمنذ ظهور التلغراف في عام 1793م إلى الإنترنت في التسعينات من القرن الماضي، لم يزل الإعلام يعمل في امتداد تداعيات العولمة، وبسط نفوذها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتربوية والتعليمية وجميع قطاعات الحياة بشكل عام، ونظراً إلى تلازم العولمة وتلاحمها مع الإعلام، صاغ الباحثون والعلماء مصطلحا جديدا باسم العولمة الإعلامية، وقد عرّف الباحث الاجتماعي أنطوني جيديز عولمة وسائل الإعلام بأنها ضغط للزمان والمكان وتكثيف العلاقات الاجتماعية على مستوى العالم بطرق، تجعل الأحداث المحلية تتشكل بفعل الأحداث التي تقع على مسافة بعيدة أوالعكس،[18] وقال أيضاً: العولمة الإعلامية تسعى إلى التوسيع الثقافي، وهي قادرة على فصل المكان عن الهوية والقفز فوق الحدود الثقافية والسياسية، والتقليل من مشاعر الانتساب أوالانتماء إلى مكان محدد.[19] وهاربرت شيللر صاحب المؤلفات الشهيرة حول الامبريالية الثقافية، عرّف العولمة الإعلامية بأنها تركيز وسائل الإعلام في عدد من التكتلات الرأسمالية التي تستخدم وسائل الإعلام كحافز للاستهلاك على النطاق العالمي، و أكّد أن أسلوب الإعلان الغربي و مضمون الإعلام يدفع إلى التوسع العالمي لثقافة الاستهلاك عبر إدخال قيم أجنبية تطمس أو تزيل الهويات القومية أو الوطنية.[20]
والتعريف الجامع للعولمة الإعلامية، هو تعريف الدكتور السيد أحمد مصطفى فقال: إعلام العولمة هو سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة، لاتلتزم بالحدود الوطنية للدول، وانما تطرح حدوداً فضائية غير مرئية، ترسمها شبكات إتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية، لتقيم عالماً من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن، هو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمرة منظمات ذات طبيعة خاصة، وشركات متعددة الجنسيات، يتسم مضمونه بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائله التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمان والمكان واللغة، لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء.[21]
اتضح لنا من هذه التعريفات ما هي العولمة الإعلامية؟ وقد تأثر بها الإعلام العربي، فيواجه تحديات متعددة ومتداخلة ومتشابكة في ظلها، ومنها،
أولا: العولمة التكنولوجية.
وثانيا، العولمة الأيدولوجية والثقافية.
أما تأثير العولمة التكنولوجية على الإعلام العربي، فكما نحن نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة الريادة في التكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية، وهيمنتها عليها، أعطتها سلطة مطلقة في كيفية استخدامها حسب رغباتها، فحوّلت العالم العربي سوقا للاستهلاك الإعلامي والإعلاني عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تتحكم عليها، ونقلت إليها ثقافتها ولغاتها عن طريقها، لأن الدول العربية تعتمد عليها في البرامج الإخبارية والمسلسلات والإعلانات، والقنوات الفضائية العربية تستورد ما معدله 17% من برامجها من السوق الأمريكية الإعلامية، وشركات الإنتاج التلفزيوني العربي وقنوات البث الفضائية والمحلية تستعير أفكاراً و برامج ترفيهية أميريكية، بل إن بعضها يحذوها حذو القذة بالقذة في عرض مشاهد الإغراء والجنس في العالم العربي، يقول المفكر الإستراتيجي والمستشار للأمن القومي لدى الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، الأستاذ زبيغينيو بريزنسكي (Zbigniew Brzezinski)، أنه ليس هناك بلد في العالم يستطيع أن يداني الولايات المتحدة الأمريكية في تصدير البرامج التلفزيونية إلى الخارج، إضافة إلى الأفلام التي تبلغ أكثر من 50% مما يشاهد العالم.[22]
هذا وبسبب تمحور الإعلام و تمركزه في بعض الشركات الكبرى للإتصالات، تكون المواد الإعلامية والفقرات والمصطلحات الإخبارية والأفكار حول قضية معينة تكون مماثلة ومتجانسة على الصعيد العالمي، وهي تنصب عادة في مصلحة الدول الغربية، ويمكن لنا تصور الاحتكار الإعلامي و الاستعمار المعلوماتي لأمريكا والدول المتقدمة بهذه الإحصائيات.
العولمة الأيدولوجية والثقافية:
أصبح العالم العربي ساحة الغزو الفكري والثقافي والحضاري في عصر العولمة الذى نعيشه اليوم، والإعلام المعولم يسعى جاهداً إلى طمس الهوية العربية والخصوصية الثقافية العربية وترك الطابع الغربي في كل شيئ، والمستشرقون الإعلاميون الذين تزعموا المنابر الإعلامية، ويُدعون في الحوار التلفزيوني، يلعبون دورا بشعا في تقديم مفاهيم مشوهة عن الإسلام والعرب والمسلمين، ونقد كل ما يمت بهم بأي صلة بأسلوب تعميمي، والإعلام العولمي، وضع علامة الاستفهام الكبيرة حول المنظومة الثقافية العربية مثيراً الشكوك والشبهات حولها، كما أن الاستشراق الإعلامي وضع الإسلام في مواجهة الغرب، وألحق وصمة التطرف والإرهاب بالإسلام والمسلمين ورسخ في أذهان الأمريكيين والأوربيين أن الثقافة الإسلامية ثقافة مناهضة للثقافة الأمريكية والأوربية. يقول الدكتور أحمد حمدي في هذا الصدد: "لقد سخّر الغرب استراتيجيات عديدة لتخويف العالم من الإسلام ومن العرب والمسلمين، لا سيما الاستراتيجية الإعلامية في ظل الاستشراق الإعلامي. حيث لعبت وسائل الإعلام دوراً خطيراً في تنامي الخوف من الإسلام في أذهان الغربيين، إذ لم تدخر وسعاً في تشويه ما يرتبط بالعالم الإسلامي ديناً وحضارةً وشعوباً مسالمة. واستغلت عمليات مسلحة صغيرة هنا وهناك لتشويه صورة العالم الإسلامي وإعطاء صورة غير سليمة عن المسلمين وكأنهم مجموعة من الوحوش غير العقلانيين، حتى أن نيكسون يذكر أنه ليس هناك من شعب له صورة سلبية عند الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي". [24]
ولكي تثبت هذه الصورة المشوهة في المخيل الغربي والأمريكي، تم عرض صورة الإسلام في المسلسلات والأفلام بطريقة مشوهة، يقول الدكتور بشارة خضر، مدير مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة في جامعة لوفان، بلجيكا في هذا الصدد: "صورة السينما هي الصورة الأكثر خدعة ودسًّا، فهنا التمويه واضح، وأسلوب التأثير وتوجيه الرأي خفي دقيق. فالسينما تركز في بضع لقطات كل ما يتعلق بسوء الفهم التاريخي القائم بين الغرب والشرق، بين الإسلام والعالم المسيحي، بين العرب وأوروبا. فتصبح الصورة التمثيلية كلها ثنائيات متعارضة. وهكذا ينظر إلى الشرق غالباً على أنه نقيض الغرب، فهو العاطفة مقابل العقل، والعنف مقابل الهدوء، والتقليد مقابل الحداثة، «والحريم» مقابل نظام الزوجة الواحدة، والحكم الفردي مقابل الديمقراطية، وباختصار الوجه الآخر للذات الغربية المثالية. وقد أجريت دراسات معمقة وشاملة حول الدور السيئ الذي لعبته السينما في تمثيل المشرق العربي. ومن الأفلام التي تندرج ضمن هذا النوع يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
Casablanca, Thief in Damascus, Laurence, Sahara, Harem, Harum, The son of Shiekh.
وغيرها. والصورة التي تبثها هي الأصعب محواً، وهي التي تعمل في الغالب خفية على تكييف تصورات الأشخاص عن الشرق والإسلام والعالم العربي.[25]
والإعلام العربي يبدو عاجزا عن التصدى لهذا المد الإعلامي بسبب ضعفه وقصوره، والذي ينقصه في سبيل مواجهته هو ندرة المؤسسات والمراكز البحثية والبحوث والدراسات الإعلامية، وتقول عن ذلك الدكتورة هالة مقصود "إذا سألتني عن الذي ينقصنا وغير موجود في أي من المنظمات على الساحة، فهو أن يكون لدينا مركز (Think Tanks)، ودائماً ما نشعر بالنقص الذي يواجهنا بسبب غياب مراكز الدراسات.[26]
اتضح لنا مما سبق أن الإعلام العربي يعيش في مأزق مخندق على المستوى الأيديولوجي والثقافي في عصر العولمة، وقد أثرت العولمة في الجوانب الأخرى أيضا، و منها الجانب اللغوي، و يتجلى ذلك في الأمور التالية:
وبالإضافة إلى هذه التأثيرات السلبية للعولمة على الإعلام، هناك مجالات أخرى أثرت عليها في مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية وغيرها من المجالات، فالعولمة جعلت الإعلام إنتاجا ثقافيا غربيا وإعلانا تجاريا يحث الناس على الاستهلاك والإنفاق في أمور لا طائل تحتها، وأصبح الإعلام أداة التضليل يضل الناس عن الحقائق ومعرفتها، والأخبار تفبرك فيه لإثارة الذعر والخوف والفوضى السياسية والفلتان الأمني في البلاد، والإعلام الجديد الذي تمثله المواقع الاجتماعية التواصلية بما فيها الفيسبوك و الـواتساب وتويتر، أصبح أيضا أداة نشر الأكاذيب، وقد جعل الأطفال و الشباب مدمنا للإنترنت، وهذا يؤثر على أدائهم في التعليم و الدراسة أيضا.
هذا، وقد لعبت العولمة الإعلامية دورا شنيعا في زعزعة منظومة القيم الاجتماعية بنشر القيم الهابطة عبر الأفلام و المسلسلات و الدراما و البرامج الترفيهية التلفزيونية، وهي تكون متجردة عن الشرف والنخوة والأمانة والصدق والحياء والأعراف الاجتماعية في محتوياتها، وتسعى دائما إلى التنميط أو التوحيد الثقافي، وبالإجمال أن العولمة الإعلامية هي آلة جديدة لصهر العالم كله في منظومة واحدة، وعملية اختراق كبرى للخصوصيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية والدينية الخاصة بكل شعب ودولة، ومحاولة تحميل الرأسمالية وفرض الأمركة أو الغربنة على الدنيا كلها وإبقاء الدول النامية والمتخلفة داخل دائرة العجز و التخلف، والإعلام أهم وسيلة لهذه الأهداف المشينة.
إيجابيات العولمة على الإعلام العربي:
سبق أن تحدثنا عن التأثيرات السلبية للعولمة على الإعلام العربي، وقد تعددت إيجابياتها أيضاً، وتضافرت حسناتها على الفرد والمجتمع والعالم بوجه عام، والعالم العربي مثل دول العالم الثالث في خضم العولمة الإعلامية، وهي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، فهل يكون من الكياسة أن توصد الأبواب في وجه العولمة الإعلامية؟ ويعيش العالم العربي كدول منعزلة ومعزولة، وهذا مستحيل في العصر الراهن نظرا إلى الارتباطات الوثيقة التي تربط العالم كله بخيط واحد في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، ويمكن لنا فهم الآثار الإيجابية للعولمة على الإعلام العربي في ضوء النقاط التالية:
وخلاصة القول أن الإعلام في عصر العولمة يحمل في طياته إمكانيات لايمكن تصورها وعدها وحصرها، فيمكن أن نستخدمه لصالحنا أيضا، وعلينا أن نفهم أن التكنولوجيا الإتصالية والتواصلية أو جيمع التقنيات العصرية هي آلة فقط، وسيدها هو الإنسان، و بوسعه أن يجعلها آلة هدامة أو بناءة.
حلول و اقتراحات:
تحدثنا فيما سبق الآثار السلبية و الإيجابية للعولمة، واتضح لنا من ذلك أن الإعلام في عصر العولمة عبارة عن نقيضين ففيه الطالح والصالح، و هو تحت سلطة تودّ أن تصيطر على العالم اقتصاديا وثقافيا، وتكون لها الهيمنة في كافة مجالات الحياة، ولذا تسيئ استخدامه، وقد عرفنا أيضا التحديات التي تشكل أمامنا في عصر العولمة الإعلامية، فما هو السبيل لمواجهة هذه التحديات؟ و كيف يمكن التغلب عليها؟ وها هي بعض الاقتراحات والحلول:
الخاتمة
إن موضوع العولمة موضوع طويل لايمكن وفاء حقه في هذه العجالة، وقد خلصت بعد هذه اللمحة البيسطة في هذا الموضوع أن العولمة أثرت بشكل سلبي على الإعلام العربي، حيث أصبح يواجه في ظلها تحديات كبيرة وكثيرة في مختلف المستويات والمجالات، ومن أهمها اللغة والثقافة، وهما قوام كل أمة، وإذا استهدفتهما العولمة، فماذا يكون المصير!!! ورغم كونه تحديا رهيبا وخطيرا، لم نر اهتمام العالم العربي والإسلامي ببذل الجهود المكثفة لمواجهة هذه التحديات، وتقليل آثارها السلبية التي تترتب على الأطفال والشباب بصورة خاصة، ولقد أصبح الإعلام العالمي أكثر نقداّ وتهجما على الأمة العربية والإسلامية وثقافتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبدأ يثير الشبهات حول الهوية العربية الإسلامية من خلال التشكيك في ثقافتها وثوابتها الدينية، ومحاولة طمس هوية مجتمعاتها من خلال تجريدها من الثقافة العربية والإسلامية. فيجب بذل الجهود المتضافرة لإعادة صياغة الإعلام العالمي وجعل الإعلام العربي فعّالاً حتى يتمكن من التصدي لظاهرة العولمة الإعلامية.
References:
[1] . الجابري، محمد عابد: العرب والعولمة، )بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ،1998م ( ص:135
[2] . الرقب، صالح حسين عثمان: العولمة الثقافـية آثارها وأساليب مواجهتها، محاضرة ألقاها في مؤتمر العولمة وانعكاساتها على العالم الإسلامي في المجالين الثقافي والاقتصادي بعمان، الأردن 2008م. والمحاضرة منشور إلكترونيا في موقع الجامعة الإسلامية بغزة: http://www.iugaza.edu.ps، ص: 3
[3] . قاموس Webster’s 1991، كلمة البحث "Globalization".
[4] . سليمان بن قاسم العيد، التربية الخلقية بين الإسلام والعولمة، ص: 4 (مقال منشور إلكترونيا في موقع جامعة الملك سعود، السعودية) الرابط: http://fac.ksu.edu.sa/saleid1
[5]. المرجع السابق
[6] . مجلة العربي، اللغة العربية وتحديات العولمة، العدد 503، أكتوبر 2000، ص 23
[7] . جارودي، روجيه: العولـمة المزعومة – الواقع–الجذور– البدائل، تعريب الدكتور محمد السبيطلي، ص: 17
[8] . الموقع الرسمي لمنظمة الدعوة الإسلامية (http://aldaawa.org/)، عنوان المقالة: العولمة الإعلامية وصناعة التغيير في العالم الإسلامي، التداعيات والآفاق للكاتب سيف الدين حسن العوض.
[9] . الزهراء عاشور، مجلة الكلمة، " الإعلام العــربي في ظل العولمة: تحديات التكنولوجيا والاستشراق الجديد، (لبنان: منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث) العدد 73، 2011م. ((الرابط: مجلمة كلمة | الرئيسية (kalema.net))
[10] . سلمان، عبد الباسط، عولمة القنوات الفضائية (مصر: دار الثقافة للنشر) ص: 52
[11] . الموقع الرسمي لمنظمة الدعوة الإسلامية، عنوان المقالة: العولمة الإعلامية وصناعة التغيير في العالم الإسلامي، التداعيات والآفاق، للكاتب سيف الدين حسن العوض.
[12] . سلمان، عبد الباسط، عولمة القنوات الفضائية، ص 76
[13] . ابن منظور، لسان العرب، ج 9 ، ص 371.
[14] . محمد سفر، محمود، الإعلام موقف، ص 21.
[15] . المصدر نفسه، ص 21
[16] . محمد سفر، محمود، الإعلام موقف، ص 22.
[17] . العمايرة، خالد محمود، الهشلمون، نايف دياب، الصحافة والإعلام، ص 30
[18] . الموقع: الحوار المتمدن، عنوان المقال "العولمة دراسة في المضامين والأهداف للكاتب حسن محمد طوالبة، الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=%20256510
[19] . المرجع نفسه
[20]. الموقع الرسمي لمنظمة الدعوة الإسلامية، عنوان المقالة: العولمة الإعلامية وصناعة التغيير في العالم الإسلامي، التداعيات والآفاق، للكاتب سيف الدين حسن العوض.
[21]. المرجع نفسه
[22] . الزهراء عاشور، مجلة الكلمة، " الإعلام العــربي في ظل العولمة: تحديات التكنولوجيا والاستشراق الجديد، (لبنان: منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث) العدد 73، 2011م. (الرابط: مجلمة كلمة | الرئيسية (kalema.net))
[23] . المرجع السابق
[24] . المرجع السابق
[25] . المرجع السابق
[26] . المرجع السابق
[27] . الاستعجام معناه إقحام الكلام الأعجمي بغيرضرورة، والعربليزية تعني اللغة الهجينة من العربية والانجليزية، والفرانكوآراب تعني كتابة الحروف العربية باللغة الإنجليزية، مستفاد من موقع المؤتمر الدولي للغة العربية، الموضوع: اللغة والهوية العربية في مواجهة عصرالمعلومات والعولمة، للكاتبة سلوى حمادة، المقال متاح في شكل PDF، الرابط: اللغة العربية والهوية - المؤتمر الدولي للغة العربية (alarabiahconferences.org)
[28] . الموقع الرسمي لمنظمة الدعوة الإسلامية، عنوان المقالة: العولمة الإعلامية وصناعة التغيير في العالم الإسلامي، التداعيات والآفاق، للكاتب سيف الدين حسن العوض.
[29] . موقع المؤتمر الدولي للغة العربية، الموضوع: اللغة والهوية العربية في مواجهة عصرالمعلومات والعولمة، للكاتبة سلوى حمادة، المقال متاح في شكل PDF، الرابط: اللغة العربية والهوية - المؤتمر الدولي للغة العربية (alarabiahconferences.org)