حياة الطيب صالح و ثقافته

(The life and culture of Tayeb Salih)

1*Dr. Arshad Laskar

1*Assistant Professor, Department of Arabic, Lakhipur College, Assam, India

DOI: 10.55559/sjaes.v1i01.4 | Received: 02.01.2022 | Accepted: 20.01.2022 | Published: 13.02.2022

Abstract

Tayeb Salih was a Sudanese novelist who is widely known and esteemed through his novel ‘Season of Migration to the North’. He was generally characterized as the ‘genius of the modern Arab novel’ by the scholarly reviewer. Emerging from a modest backdrop of religious mentors and small farmers, Tayeb Salih established his narrative fixed to his homeland, summarizing the cooperative rural life. In a time when social assessment, cruel realities of life and pledged literature dominated Arabic literature, he crushed the indifference with his remarkable ideologies of his cultural background and religious upbringing. After a moderation in teaching, journalism and broadcasting, he started to writing and composed some of the most distinguished literary works. His ‘Mawsim al-Hijra ila al-Shamal’ (Season of Migration to the North’) is considered as typical work of fiction of his literary career, which made him one of the greatest Arabic authors of the 20th century. Such was his popularity that his novels have seen translated in more than 20 languages. Some of his famous novels are ‘Urs al-Zayn’, ‘Al-Rajul al Qubrosi’, ‘Doumat Wad Hamid’, and ‘A Handful of Dates’. He introduced a Yearly Award to encourage and appreciate young and formative writers.

Keywords: Tayeb Salih, Modern Arabic Novel, Sudanese culture, social criticism, committed literature

الملخص: 

هذه حقيقة بارزة لا يستطيع أحد أن ينكرها أن الطيب صالح الذي لعب دورا هاما في الرواية العربية، وهو ابن النماذج الحضاري والعرقي العربي والإفريقي، فدرست من بعض أعماله الروائية خلال دراسة أعماله، فحسست أن موهبة عظيمة انفجرت في الأدب العربي الحديث، خاصة في السودان،

ولد الطيب صالح أحمد عام1929م في قرية كرمكول بالسودان، وبعد الحصول على التعاليم الابتدائي والثانوي انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته، فالتحق بكلية العلوم بجامعة الخرطوم، ثم سافر إلى "إنجلترا"، حيث واصل دراسته في الشؤون الدولية وتخرج فيها، بعد إكمال التعليم اشتغل بمهنة التدريس بمدرسة أهلية في الخرطوم، ثم عمل إعلاميا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، وترقى بها حتى وصل إلى مدير قسم الدراما، ولقب بعبقرية الرواية العربية، وبعد ذلك عمل مديرا إقليميا بمنظمة اليونسكو بباريس، وعمل ممثلا لهذه المنظمة في الخليج العربي.

أما إنتاجه الأدبي فضرب في مجال الأدب بسهم بعيد المرمى، حيث أنه بدأ الكتابة منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ومن أعماله الروائية: "ضوء البيت" و"مريود" و"موسم الهجرة إلى الشمال". وكذلك كتب القصة القصيرة، فمجموعته القصصية: "دومة ود حامد"، هذه المجموعة القصصية نالت شهرة عظيمة في فن القصة القصيرة.

المقدمة:

من الواقع الملموس أن الأدب له أهمية كبرى في كل أمة من الأمم، وله دور لا يستهان به في تثقيف الناس وتطويرهم العقلي في مختلف العصور، وفي مختلف الشعوب، وفي مختلف اللغات، وظهرت له فنون جديدة، ونشأت أدبيات عديدة، كما نراها في مختلف اللغات، ولكن اللغة العربية هي أذخرها وأغنى بها، فظهرت القصص القصيرة والروايات والمسرحيات في الأدب الحديث في كل عصر ومصر، وتتميز دولة السودان بأنشطة الأدبية والثقافية، ولها دور بارز في خدمة اللغة العربية وتطوير فنونها، ونشرها في دول غير الناطقين بها، وبرز كثير من الأدباء والنقاد والروائيين الذين يحتلوا مكانة مرموقة في الأدب العربي في السودان، فمنهم من نال سمعة طيبة في مجال المسرحية، ومنهم من تبوأ مكانا عاليا في مجال الشعر، ومنهم من حصل على شهرة عظيمة في مجال القصة القصيرة، وبين هؤلاء الأدباء والقاصيين يتجلى لنا اسم الأديب الأريب "الطيب محمد صالح" الذي وسع طاقة القصة القصيرة ونماها في هذا المضمار، رغم أنه معروف بإنتاجاته الروائية، خاصة بروايته المشهورة الرائعة "موسم الهجرة إلى الشمال"، كثير من الطلاب والباحثين يعرفونه بهذه الرواية فقط، إلا أنه ساهم مساهمة جبارة في مجال القصة القصيرة في خمسينيات القرن العشرين، وهذه هي الحقيقة التي لا تنكر ونظرا إلى أهمية أعماله تم ترجمة الأديب منها إلى كثير من ثلاثين لغة عالمية.

نشأة الطيب صالح:

ولد الأديب السوداني الشهير الطيب محمد صالح عام1929م في أسرة متوسطة، كانت متسمة بالزهد عن الدنيا والرغبة في الدين، والقناعة وغنى النفس بقرية كرمكول في إقليم مروى شمالي السودان بالقرب من قرية دبة، وهى إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتمي إليها الطيب الصالح، وينتسب، ونشأ وترعرع في بيئة دينية إسلامية هناك، وعاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، وكانت أمه عائشة أحمد زكريا ذكية جدا، وشديدة الحفظ والذاكرة، وكان لها ميزة مؤثرة في تكوينه الثقافي، فأمه كانت بمثابة مصدر من مصادر التراث الشفوي الذي استفاد منه الطيب الصالح، وكان أبوه محد صالح يعتني بحلقات الذكر والتذكير، وكان متدينا ومتمسكا بالقيم الدينية والخلقية، "كان والده شيخا وقورا طيبا دينا، يؤمن بأولياء الله الصالحين، ويزور ضريح الشيخ الطيب في قريتهم، وقد سمى ابنه على اسم ذلك الشيخ تبركا له"[1] وكان هذا الشيخ صاحب الضريح، هو أحد أجداد الطيب صالح الذين اشتهروا بالصلاح والتقوى من قديم، فالطيب صالح هو مسمى على جده، فكان مولده في أسرة دينية حتى يذكر أنه حوالى مائة شخص كانوا من حفظة القرآن الكريم من أهل منطقة إبان مولده.

أثر الثقافة الغربية فيه:

وإذا أمعنا النظر في تأثير الثقافة الغربية في حياته، وجدنا أنه قد بذل مجهوداته، لكي لا تنقطع صلته وعلاقته بجذوره وأصله، ولكنه وجد أن البيئة الإنجليزية بدأت تمارس نفوذها عليه، ولكن البيئة الإنجليزية لا تجبر شخصا على أن ينسى كل شيء متعلق بأصله وجذوره، بل يجد الإنسان نفسه مدفوعة إلى القيام بذلك، وعندما جاء إلى لندن، وجد المجتمع الإنجليزي كان مغايرا تماما من المجتمع السوداني، وبدأ يضيق صدره من اليوم الأول حتى يفكر أن يعود من حيث أتى، لأنه لم يقدر على التألم والتكيف مع ذلك المجتمع، حتى نصحه أحد أساتذته الإنجليز باللجوء إلى أستاذ إنجليزي آخر مقيم في لندن، والذي تولى تقيمه إلى جماعة الأصدقاء، ويساعده على الالتحاق بالأندية، حيث يزدهر نشاط ثقافي واجتماعي كثير، فبدا يتلاءم ويتكيف مع البيئة الإنجليزية والواقع الاجتماعي في لندن، ولكنه لم يتمكن من الاحتفاظ بكل جذوره وأصله، بل انصهر في التيار الجارف المتمثل في المجتمع الإنجليزي، إنه قدم اقتراحات عديدة للتعرف على المجتمع الإنجليزي، وهو يقول: "كان من ضروريات التأقلم أن يتخذ الشخص صديقة لمساعدته في الاندماج والتعرف على البلد، فإذا أردت الذهاب إلى السينما أو المسرح أو المطعم، لا بد لك أن تذهب مع صديقتك"[2]. فكان الاختلاط بالمرأة في المجتمع الإنجليزي المفتوح شيئا عاديا لا يأبه به أحد، ومع ذلك على انفتاح علاقة الرجل بالمرأة، والانحطاط الخلقي في المجتمع الإنجليزي، إلا أنه كانت هناك مجموعة متدينة في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، والتي كانت تحافظ على صلاتها وصيامها، وكان الطيب صالح رجلا متدينا يقوم بالفرائض الدينية خلال إقامته في الجامعة السودانية، حيث كان يواظب على صلواته وصيامه، وكان يعد من رواد الحركة الإسلامية آنذاك، ولكنه لم يتمكن من الحفاظ على هذه الأشياء في غربته، وانصهر في التيار السائد إلى حدما كما يقول: "كنا قد صلينا وصمنا قبل أن نجئ، غضضنا أبصارنا وحفظنا فروجنا، ولكن أحد لم يهيئنا لذلك اللقاء الرهيب"[3].وهذا كان تأثير الثقافة الغربية على سيرته الذاتية، ولكن ليس معنى هذا أنه أنغمس في المجتمع الإنجليزي بخيره وشره تماما، وانقطع من جذوره وأصله وأهله، ومن مجتمعه السوداني الأصلي، بل ظلت ثقافته السودانية المفعمة بالتقاليد القديمة التي تربط الفرد بمجتمعه الأصلي تقطن في وجدانه دوما، بالرغم من أنه انغمس في ثقافة مغايرة تماما من ثقافته، كما حدث لعدد كبير من المثقفين الذين تلقوا تعليمهم في الدول الغربية، وفيما يتعلق بتأثير الثقافة الغربية في موهبته وقدرته وكتابته، فإنها صقلت مواهبه، وشحذت قدرته على الكتابة، لأنه استقى أيضا من الثقافة الغربية، وكانت تلك الثقافات الثنائية قد تحولت إلى مصدر خصب للإثراء الفكري، والمقدرة النادرة على النفاذ إلى بواطن الأشياء، وأسرارها المكمنة بالنسبة له، حتى أصبحت كل أعماله الفنية تتجلى فيها تلك الازدواجية الثقافية.

رحلاته العلمية:

كان الطيب صالح كثير الرحلات والسياحة والتنقل، إنه قام بعدة رحلات مهمة في حياته، وقد لعبت هذه الرحلات السياحية دورا رئيسا في حياته الأدبية والعلمية، حيث زادت خبرته في العلوم والمعارف، فأول رحلته كانت إلى إنجلترا عام1953م، وهي السنة التي ظهر فيها أول إنتاجه الأدبي "نخلة على الجدول"، حيث سنحت له الفرصة للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية، فعمل بها عدة سنوات في قسمها العربي، وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، وكذلك خلال عمله في هذه الهيئة التحق بإحدى جامعات لندن، وواصل بها دراسته في الشؤون الدولية حتى تخرج منها، وظل يعمل في هذه الهيئة بجد ومشاط حتى استقال منها في عام1974م، ثم اتفق له أن يسافر إلى دولة قطر عام1974م، فعمل في وزارة الإعلام مديرا ومشرفا على أجهزتها، وعاش فيها فترة طويلة من حياته كما يقول: "عملت في قطر كمدير لوزارة الإعلام على امتداد ما يناهز ستة أعوام...وهى أطول فترة قصيتها في أي بلد عربي خارج السودان"[4]. وإنه أحب هذا البلد حبا جما كما يقول: "البلد الأخرى الذي عرفته وأخببته هو قطر"[5]. ثم تهيأت له الفرصة أن يسافر إلى باريس في بداية الثمانينات من القرن العشرين، فالتحق هناك بمنظمة اليونسكو، وعمل بصفته مديرا إقليميا لهذه المنطقة، وفي عام1987م تم تعينه كممثل لهذه المنظمة في الخليج العربي، فعاد إلى دولة قطر، وأقام في الدوحة. وكانت رحلة الطيب صالح إلى مدين أصيلة في المغرب عام1980، كما تفيد صحيفة "الشرق الأوسط": "قرر مجلس بلدية أصيلة إطلاق اسم الأديب السوداني الرحيل الطيب صالح على حديقة كبرى، كانت في الأصل مصلى، وأدى بها الطيب صالح صلاة العيد في أول زيارة له للمدينة عام1980م"[6].

كانت الطيب صالح يحب المغرب وأهله وثقافته، وكان المغرب جزء من كياني العربي الواسع، كما يقول: "المغرب جزء من كياني العربي الواسع، وجزء أكبر من وجداني...وفيها أحس بأنني في مدينة أم درمان بالسودان، نفس التداخل بين الثقافات: ثقافة الصحراء، وثقافة المدينة، الثقافة الزنجية، العروبة، الإسلام، والثقافة البربرية"[7]. وبينما كان الطيب صالح يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية، سنحت له الفرصة للسفر إلى لبنان عدة مرات، وإنه عاش فيه بعش الأحيان فترة طويلة كما يقول: "لبنان الذي عرفته وتعلقت به كان "لبنان لندن"، وأول ما قابلت لبنانيين في حياتي لأول مرة قابلتهم في لندن، ثم جاءت رحلاتي إلى لبنان يوم اشتغالي في بي بي سي، ذهب إلى هناك عدة مرات، وعشت فترات امتدت أحيانا قرابة سنة، وهناك تعرفت إلى الكثير وعلى الكثير من اللبنانيين، كتابا وشعراء، أذكر منهم مثلا: يوسف الخال، أدونيس، أساتذة في الجامعة اللبنانية"[8]. وفي موضع آخر يقول: "لبنان أكن له إعجابا وحبا كبيرين...ولبنان هي أرض الأريحية"[9]. على كل حال إنه زار لبنان أكثر من مرة، وكان معجبا به، وإنه يتردد أيضا على عاصمة المملكة العربية السعودية (الرياض)، خلال مهرجان الجنادرية السنوي الذي ينظمه الحرس الوطني السعودي، ويتلقى مع أصدقائه وأقربائه هناك، ويقضي بعض أوقاته بينهم في جو من المحبة والألفة، وإنه لم يستقر في مكان واحد، بل كان يتجول في أماكن عدة كما يقول الإعلامي والروائي السوداني خالد عويس: "تعرفت إلى الطيب صالح، والتقيت به على هامش مهرجان الجنادرية في العاصمة السعودية (الرياض) عام2001م، ثم تكررت اللقاءات، مرات في الرياض، ومرة في لندن، ومرة في دبي"[10].

فيتضح من هذا أنه كان كثير الرحلات والسياحة، ويمكن القول إن حالة الترحال والسياحة والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم، والجدير بالذكر أن رحلاته لم تقتصر في هذه الدول المذكورة، بل إنه قام برحلات عديدة في عديد من دول العالم العربي كمصر، وتونس، والعراق، والعالم الغربي كسويد، والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.

وفاته:

توفي الطيب صالح في مستشفى لندن يوم الأربعاء 18 فبراير عام2009م، بعد صراع عنيد مع الفشل الكلوري، ودفن يوم الجمعة من عشرين فبراير في السودان، حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب، والرئيس السوداني، وغيرهم.

أقوال الأدباء فيه:

كان الأديب الأريب الطيب صالح رجلا مثقفا، وأديبا بارعا، ورائيا مبدعا، والذي أطلق عليه نقاد العرب "عبقرية الرواية العربية"، وتكتب عنه مجلة "العربي" الكويتية: "بأنه واحد من أجمل الهدايا التي قدمها السودان الشقيق للثقافة العربية"، ويصف صديقه عبد الواحد عبد الله يوسف: بـ"أنه كان إنسانا رائعا ذكي الفؤاد، واسع الصدر، عزيز النفس، معتدل المزاج والتفكير...فيه من تصوف ابن عربي، وحذق الغزالي الشيء الكثير، وفيه من إباء المتنبي وشممه وجرأته، وقدرته على الإبداع الشيء الكثير، وكان المتنبي ولا يزال أحب الشعراء إلى نفسه، ولكنه بعيد عن صلف المتنبي وطموحه إلى السلطة والجاه"[11].

هكذا كان الطيب صالح مثقفا مثاليا توجد فيه رحابة الخيال، والتسامح والبساطة وروح الدعابة، وأجمع ما قيل فيه هو كلمات الأستاذ صبحي غندو: "هو نموذج يجمع في شخصيته بين الوطنية السودانية وبين العروبة الثقافية، وبين الإسلام الحضاري وبين عالمية الإسلام الحر، فهو المثقف العربي الذي لم تحجب عنه هموم السودان، هموم الأمة العربية، التي جاءت فيها ثقافته ولغته، ولم يبهره تقدم الشمال الأدبي فينسى أنه أين جنوب، هذه الأرض وما في الجنوب من فقر وتخلف وآلام، ولم ير في مجتمع الغرب العصا السحرية لمشاكل العرب، بل ساحة ومنبرا لإبداع الفكر العربي المستنير، إنه الطيب صالح الذي يجمع في شخصيته وكتابته بين الكلمة الطيبة والعمل الصالح"[12].

يقول الشاعر "عبد القادر الجنابي: "إن الطيب صالح من جهة الأولى هو مبدع بكل معنى الكلمة، فسرده كان شيئا جديدا في عالم الرواية، ومن جهة ثانية إنه إنسان طيب القلب، وبعيد عن الأضواء".[13]

يقول "طلحة جبرئيل": "كان الطيب صالح هو السودان، والسودان هو الطيب صالح، لأنه جمع في كتاباته بين قدرات كاتب عملاق، ومبدع مرهف الإحساس، ومفكر عميق الفكر، وإنسانا قل أن يجود الزمان بمثيل له".[14]

يقول "أحمد سعيد محمدية": "كنت قد قرأت أعماله العملاقة القليلة، والنادرة "موسم الهجرة إلى الشمال"، و"عرس الزين"، وقصته "دومة ود حامد"، و"حفنة التمر"، وكنت أحس أن موهبة عظيمة قد انفجرت وطننا العربي، وإنها قد بدأت تنساب رافدا دافقا في نهر الأدب العربي المعاصر، وأن هذه الموهبة تتويج للرواية العربية، وتصعيد لمكانتها في الفن الروائي العالمي.... ورأيت فيه القدرة الخارقة، والاستبصار، والنقاد إلى أدق الأمور.... وكانت لديه مقدرة على استخراج اللؤلؤ من أعماق الأدب العربي، والجواهر من أعماق الأدب الغربية-والإنجليزية منها خاصة-وكانت لديه المقدرة على فهم روح الحضارتين، والمقارنة الذكية بينهما.... وهذا هو الطيب صالح باختصار: "البساطة والثقافة والأصالة، ثلاثة أقاليم في روح واحد".[15]

والروائي البريطاني "موريس فرحى" قال للعربية. نت: "كتابه "موسم الهجرة إلى الشمال" رائع، وقرأته منذ عشرات السنين، وهو كاتب عبقري، وكان أديبا بارزا".[16]

الخاتمة:

إنه من المعلوم أن المحاولة الأولية في مجال القصة القصيرة في الأدب العربي جاءت على يد "محمد تيمور" بصورتها الفنية، حين نشرت قصته "في القطار" عام1917م، ومن بعده كتب حافظ إبراهيم "ليالي سطيح" عام1932م، هو كان من مظاهر هذا النمو نشأة طائفة ممتازة من كتاب القصة القصيرة الذين وضعوا بإنتاجهم دعائم هذا الفن في الأدب العربي، ومن أبرزهم يوسف إدريس الذي ألف "أرخص ليالي"، وإبراهيم عبد القادر المازني كتب "إبراهيم الكاتب"، ومصطفى لطفي المنفلوطي صاحب "العبرات"، والكاتب الذي يعتبر أستاذ الأقصوصة ومؤسسها في الأدب العربي الحديث هو "محمود تيمور"، وهو الذي نماها ووسع طاقتها، ومن أشهر أقصوصته "الشيخ جمعة"، وقصص أخرى "كل عام وأنتم بخير" و"دنيا جديدة" وغيرها.

وفي لبنان اشتهر الكاتب "توفيق يوسف عواد" في القصة القصيرة الذي يعد في كل بلاد الشام، وكذلك أول من كتب القصة القصيرة في الأردن هو "محمد صبحي" قصته "أغاني الليل"، ثم برز على الساحة قاصون كثيرون في جميع الأقطار العربية والإفريقية، فيما يتعلق بالسودان، فظهرت المجموعة القصصية "غادة القرية" للقاص عثمان علي نور عام1954م، وهي أول مجموعة قصصية سودانية، ثم نشر قصة "مات حجز" للأستاذ محمد سعيد عام 1955م، وأصدرت مجلة شهرية باسم "القصة" على يد عثمان نور في عام1960م، كانت تنشر القصص السودانية المؤلفة بأقلام الكتاب المعروفين وغير المعروفين، وظهرت قصة "نخلة على الجدول" عام1953م،  وقصة "حفنة تمر" عام1957م، ثم تأتي القصة "دومة ود حامد" عام1960م، ثم ظهرت قصة "مقدمات" عام1966م للأديب القاص طيب صالح الذي شرب من مياه النيل، ونهل من منهل الثقافة العربية والإفريقية، ثم ارتحل إلى إنجلترا واستفاد من الثقافة الغربية، ولكنه بقي شرقي الطابع سودانيا عربيا إفريقيا، وهو معروف في أوساط العلمية بجودته، ليست بكثرته، وأسهمت قصصه كلها في تنوير العقلي والوعي العربي.

المصادر والمراجع:

1-تاريخ مصر والسودان الحديث والمعاصر، د/ عبد الله عبد الرزاق إبراهيم، ود/ شوقي الجمل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، عام1997م.

2-دراسات في تاريخ السودان الحديث والمعاصر، أد. محمد محمود السروجي، جامعة الإسكندرية، عام1998م.

3-دومة ود حامد (سبع قصص)، الطيب صالح، ط1، دار الجيل، بيروت، عام1997م.

4-الطيب صالح عبقري الرواية العربية، أعده مجموعة من الكتاب العرب، دار العودة، بيروت، عام1984م.

5-الطيب صالح سيرة كاتب ونص، د/ أحمد محمد البدوي، الدار الثقافة للنشر.

6-كتابات سودانية، العدد الخاص، 47 أبريل عام2009م، الصادر من مركز الدراسات السودانية.

7-الفنون الأدبية وأعلامها في عصر النهضة العربية الحديثة، أنيس المقدسي، بيروت، عام1977م.

8-موسم الهجرة إلى الشمال، الطيب صالح، ط14، دار العودة، بيروت، عام1987م.

الجرائد والمجلات:

1-مجلة "العربي" الصادرة من قبل وزارة الإعلام بدولة الكويت، رقم العدد 560، يوليو عام2005م.

2-جريدة "المدينة" الصادرة من العربية السعودية، رقم العدد الأربعاء، 25 فبراير عام2009م.

3-جريدة "عكاظ" الصادرة من العربية السعودية، رقم العدد 15567، الجمعة، 10 أبريل عام2009م.

 

[1]-د-أحمد محد البدوي: الطيب صالح سيرة كاتب ونص، ص:21

[2]- الطيب صالح ملامح من سيرة ذاتية نقلا عن كتاب الطيب صالح سيرة كاتب ونص، ص:61

[3]-نفس المصدر، ص:67

[4]-كتابات سودانية، العدد 47 ابريل، عام2009م، ص:153

[5]-نفس المصدر، ص:153

[6]-صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن، العدد 11203، 31 يوليو، عام 2009م

[7]-كتابات سودانية، العدد 47، ابريل، عام 2009، ص:150

[8]-نفس المصدر، ص:152

[9]- نفس المصدر، ص:153

[10]-صحيفة "المدينة" الصادرة من المملكة العربية السعودية، 25 فبراير، عام2009م

[11]-نفس المرجع

[12]-مجلة "الحوار" نقلا عن قراءة نقدية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، مقال للدكتور مجيب الرحمن (الأستاذ المساعد في مركز الدراسات العربية والإفريقية في جامعة جواهر لال نهرو)

[13]-الأديب والروائي العالمي طيب صالح النائم المسحور بقلم عادل عبد الله.www.sudaress.com

[14]-سيرة وشهادة لطيب صالح، ص:202

[15]-الطيب صالح: عبقري الرواية العربية، ص:67

[16]- الأديب والروائي العالمي طيب صالح النائم المسحور بقلم عادل عبد الله.www.sudaress.com



Published in: Sprin Journal of Arabic-English Studies
ISSN: 2583-2859 (online)
Unique link: https://ae.sprinpub.com/sjaes/article/view/4