Assistant Professor, Department of Arabic, Lakhipur College, India
الأستاذ المساعد، كلية لاكهيبور، آسام، الهند
DOI: 10.55559/sjaes.v2i02.38 | Received: 05.05.2023 | Accepted: 09.06.2023 | Published: 12.06.2023
Abstract:
Ghadah Al-Samman is a Syrian novelist, journalist and writer born in Damascus in 1942. She is vaguely connected to poet Nizar Qabbani, and extremely inclined by him.Her father was affectionate of both Arabic and Western literature, this inclined her deeply and gave her a distinctive style that unites qualities of both. She published “Your Eyes Are My Destiny” first collection of short stories in 1962. However, at the time she was bumped in with other established feminine writers. Her later books took her out of this situation of feminine and love novels into social feminist and philosophical area. In 1965 she published her second collection of stories “No Sea in Beirut” which demonstrate the result of her new and broad experiences. She traveled in the region of Europe working as a journalist and published her third collection “Foreigners’ Nights” in 1966. In 1973 she published her fourth collection, The Departure of Old Ports, measured by some critics to be one of her most significant works. In this collection of short stories, she described the problem of the Arab scholar and the difference between their thought and proceedings. She published her first novel, Beirut 75, at the end of 1974. The novel focuses the compound social issues in Beirut. After the publication of Beirut Nightmares in 1977 and The Eve of Billion in 1986, some reviewers began referring to her as the most famous modern Arab writer.
Keywords: Arabic Novel, Social issues, Feminism, journalism, Arabic Short stories
Electronic reference (Cite this article): Laskar, D. A. Life of Ghadah Al-Samman and her Literary Works. Sprin Journal of Arabic-English Studies, 2(02), 01–08. https://doi.org/10.55559/sjaes.v2i02.38 Copyright Notice: © 2022 The Author(s). This is an open access article published by Sprin Publisher under the Creative Commons’ Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) licence. https://creativecommons.org/licenses/by/4.0/ |
الملخص:
تعد الأديبة السورية غادة أحمد السمان من أبرز الكاتبات العربيات اللاتي قدمن أعمالا جسيمة في مجال الأدب العربي، وأثرين المكتبات العربية بزاد الثقافة والمعرفة، وأسهمن إسهامات بارزة في مجال القصة والشعر العربي، ولها قصب السبق في ميدان الرواية العربية، وتمتاز بجرأتها للتعبير عما يدور بخلدها، وهي تقدم أعمالها بأسلوب أدبي رصين يلفت القارئ ويجعله ألا يترك ذلك إلا بعد الانتهاء من قراءته. وهذه حقيقة أن أعمال الكاتبة الروائية تترك أثرا بالغا في نفس القارئ، وهي تصل إلى أعماق النفس البشرية وتحل في القلوب، وذلك لأن الكاتبة تتحدث عن الواقع، وتذكر في معظم رواياتها الحقائق التي شاهدتها، وتذكر المصائب التي عانت منها الشعب العربي الكريم على أيدي بني جلدتهم من طبقة الأغنياء، وكذلك على أيدي المحتلين الأجانب(الإسرائيليين). أدب غادة السمان - بما فيه رواياتها- أدب رفيع وذو قيمة فنية رائعة ومصبوغ بصبغة النزعة التقدمية والمادة العلمية والثقافية؛ فاقتنعت بأن يدرس ويطالع أدب مثل ذلك وأن يبحث عنه وتجرى حوله الدراسات على مستوى التحقيق، لكي نستفيد من أدبها وطريقة كتابتها الروائية، وتصل إلى ملامحها الأدبية البارزة وميزاتها الروائية الفائقة التي تميزها عن الآخرين. ولذا اخترت هذا الموضوع بعنوان " حياة غادة أحمد السمان وآثارها الأدبية".
الكلمات الدليلية: الرواية العربية، غادة أحمد السمان ، نشأة الرواية،الملامح الإجتماعية و السياسية، النسوية
المدخل إلى الموضوع:
تتميز "الجمهورية العربية السورية" بالأنشطة العلمية والأدبية والثقافية منذ القديم، حتى اختيرت دمشق عام 2008م كعاصمة للثقافة العربية؛ وكانت حلب قد اختيرت عام 2006م كعاصمة للثقافة الإسلامية، ولد فيها كثير من الأدباء والشعراء والنقاد أمثال البحتري وأبي تمام والمتنبي والفارابي وأبي العلاء المعري ونزارقباني وعمر أبي ريشة وغيرهم، الذين لهم دور بارز وجهد ملموس في ترويج وتطوير اللغة العربية وآدابها وتحقيق كتبها واحياء تراثها المجيد. كما فيها "مجمع اللغة العربية (1919م)" بدمشق، الذي كان محمد کرد علي أول رئيس له.
أما النساء السوريات فهن أيضا لعبن دورا هاما في إثراء الأدب العربي، كما أثبتن أدوارهن الريادية في مسيرة التنمية الثقافية التي تشهدها البلاد بشتى المجالات؛ العلمية والأدبية والاجتماعية والإعلامية والسينمائية، حتى لمعن في سماء الأدب العربي السوري كشمس مشرقة، ومنهن أصبح اسم الكاتبة غادة أحمد السمان لامعا على أفق الأدب العربي السوري، واحتلت مكانة مرموقة عن طريق كتاباتها في مجال الشعر والقصص القصيرة والروايات، حتى تُعد اليوم من أكبر وأغزر كاتبة سورية إنتاجا من بين الكاتباتالسوريات.
وقد تتمحور إنتاجات غادة السمان الأدبية حول الموضوعات العديدة؛ ومن أهمها: قضايا المرأة والأسرة، وتصوير مأساة الحرب والأسر، والقضايا الاجتماعية والإنسانية، فرحـة التحرير للبلاد، والقضيةالفلسطينية وغيرها .
نبذة عن حياة غادة أحمد السمان:
تعتبر غادة أحمد السمان من أهم الكاتبات السوريات، وهي روائية وشاعرة وصحفية كذلك، لها علاقة القرابة بالشاعر السوري نزار قباني (1923-1998م). ولدت غادة في 1941/11/15م في دمشق بسوريا في وسط البرجوازية الصغيرة ، وكانت أسرتها مليئة بالاندفاعات العلمية والاتجاهات الثقافية، كان والدها الدكتور أحمد السمان يؤذن في مسجد مواصلاً دراسته الجامعية، حتى أصبح أستاذا في الجامعة السورية، فعميدا لكلية الحقوق بجامعة دمشق لمدة عشر سنوات متتالية، ثم رئيساً لنفس الجامعــة، فـوزيرا للتربية الوطنية والتعليم. وكـان مشـاركا فـي تشـريـع القـوانين والأنظمـة الاجتماعيـة والاقتصادية بعد أن حصلت سوريا على الاستقلال عام 1946م. أما أمها "سلمى رويحة" فهي كانت أديبة وشاعرة كبيرة، ومدرسة في "مدرسة اللاييك" (مدرسة ثانوية) تدرس فيها اللغة الفرنسية للعرب، ولكنها توفيت عندما كانت غادة لا تزال طفلة قبل "أن تعيها"، فتربت غادة في كنف جدتها لأبيها، وكان لها إسهام كبير في إيقاد شمعة المحاكمة فيها بعقلية منفردة للتحرر من الفكر الجماعي.
في الواقع كان لأبيها دور هام في تربيتها كإمرأة وكاتبة بتربيته الصارمة، والتي هدفت أساسا إلى تعليمها السيطرة على نفسها وجسدها، واستعمال الإرادة كقيمة لاتقدربسهولة ظروف زمنها. وقد عرفهاالأب بالقيم الأساسية، والأهم: العمل. ترافقت تلك التربية بحث مواصل على الثقافة والمعرفة. فالكاتبة منذ صغرها كانت تصاحب أباها إلى الاجتماعات حيث تستمع إلى أحاديث الكبار، كما كان أبوها يصر على أن تحفظ القرآن منذ نعومة أظفارها، لأنه يريد تعليمها اللغة العربية النقية. قضت غادة فترات من سنوات المراهقة الأولى في بيتها بقرية "الشامية" حيث بدأت تعشق الحرية، وبدأ حب المغامرة ينغمس في قلبها. وتلقت علومها في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية (اللاييك) بدمشق، وفي مدرسة التجهيز الرسمية. وكانت غادة تطالع الأدب العربي، وتحفظ أشعار كبار شعراء العرب خلال الفترة المدرسية مع عنايتها المكثفة بالدراسات العامة، وموهبتها على الكتابة بدأت تتفتح حين كانت في المدرسة الثانوية، حيث نشرت أول قصة لها في مجلة المدرسة تحت عنوان "من وحي الرياضيات"، ولاقت تشجيعاً من مدرسة اللغة العربية، فكتبت عدداً من القصص القصيرة للمجلة الأدبية الخاصة بالمدرسة.
كان أبوها يريد أن تكون هي طبيبة خبيرة بعد أن كبرت، ولكنها تمردت على إرادة الأب في أن تدرس الطب، حيث انتسبت إلى كلية الآداب بـ جامعة دمشق" لدراسة الأدب الإنكليزي، بعد حصولها على الشهادة الثانوية العلمية. والكاتبة أثبتت منذ صغرها أنها فتاة استثنائية، وقد فاقت جميع زميلاتها دائما في الدراسة، وأنها كانت تكمل دورة تعليمية لصفين في عام واحد. وهذا التقدم والتفوق العلمي أهلها للالتحاق بالجامعة مبكرا. وكان عدد البنات اللواتي يلتحقن بالجامعات آنذاك قليلاً.
كانت طفولة غادة السمان حافلة بالتناقضات التي اضطرتها إلى أن تشعر بأن المرأة العربية لا تسنح لها فرص إنسانية للتعبير عما يخطر ببالها، وهي شبت وترعرعت في ظل تربية أمها المتحررة وثقافة والدها الشفيق. وانها بدأت تحلم بالثقة والقوة اللتين ألهماهما في ذهنها عن عالم مختلف، عالم يتحقق فيه الحرية والعدالة الاجتماعية بسهولة، عالم يبتعد عنه الاضطهاد والجور.
"اتخذت غادة السمان قرارها النهائي بالتكرس لدراسة الأدب، ونالت شهادة الليسانس(B.A) في الأدب الإنكليزي. ثم انتقلت إلى بيروت عام 1964م لمتابعة دراستها لنيل شهادة الماجستير (M.A) في الجامعة الأمريكية، والتفرغ لنشاطها الأساسي: القصة والصحافة. وكانت أطروحتها عن مسرح اللامعقول وهو تيار أدبي كثيرا ما نلمسه في أعمالها".3 وخلال مرحلة الليسانس عملت كمعلمة في مدرسة الشويفات الدولية بلبنان، وبعدها سافرت إلى لندن للحصول على شهادة الدكتوراه، ولكنها لم تنجز أطروحتها، وانشغلت عن ذلك برحلات ثقافية لاكتشاف أوربا فنا وأدبا وموسيقى، وعملت في الوقت نفسه في العديد من المدن الأوربية كـ"باريس ولندن وجنيف". فقد كانت دائما امرأة عاملة، عملت كمعلمة للغة الإنكليزية وموظفة مجلة "الأسبوع العربي" وغيرها من المجلات حديثة العهد، مكتبة، وصحافية وكاتبة في في ومذيعة في راديو في الكويت، وأستاذة محاضرة في جامعة دمشق، وصدر عام 1966م في سوريا حكم غيابي بسجنها لثلاثة أشهر (بعد وفاة والدها بأشهر)، لأنها كموظفة حاملة شهادة الليسانس قد تركت الأراضي السورية بدون إذن. بلغها هذا النبأ المفاجئ، وهي كانت في لندن حيث تعمل كمراسلة خارجية لإحدى المجلات اللبنانية، فطردتها المجلة من العمل، ووقعت بينها وبين ما تبقى من أسرتها قطيعة عائلية.
إن الكاتبة "عاشت عيشة وحيدة منذ عام 1966م إلى عام 1969م في لبنان والبلدان الغربية بعد أن رفضت السلطات تجديد جواز سفرها السوري تمهيدا لسوقها إلى السجن، لكن أنجدها صديقها "غسان كنفاني" (1936–1972م) بجواز سفر عربي آخر، وفي أوائل السبعينات أصدر رئيس البلاد عفوا عاما شملها، ولكنها كانت قد تزوجت بلبنان في أوائل السبعينات من الدكتور "بشير الداعوق"، وهو أستاذ جامعي، وصاحب "دار الطليعة" للنشر، وأنجبت منه ابنها "حازم" الذي أسمته تيمناً باسم أحد أبطالها في مجموعة ليل الغرباء ، واختارت القيام في بيروت، وعاشت هناك لفترة تخللتها رحلات عديدة إلى لندن، باريس، برلین، روما، زوريخ، الشرق الأقصى، روسيا...وما إلى ذلك من البلدان الأخرى". ، وإن فترة الوحدة والانعزال لها، كانت خصبة رغم سوء الحال من عيشها، وغنية بالتجارب الروحية والفكرية، والأدبية والإنسانية، فرحلاتها العديدة ومعرفتها الدقيقة بالثقافة العربية والعالمية شكلت لها دفعا هاما للبحث في المحتويات السيرة التي تعني كتاباتها المتعلقة بمشاكل العالم العربي بشكل ما.
تقول الكاتبة بنفسها: "لقد عشت ذات فترة خارج كل شيء، خارج اضطهاد المؤسسات، ولكن خارج حمايتها أيضا. عشت 1966م-1967مو1968م1969م منتقلـة بين لبنان ومختلف البلدان الأوربية، أعمل وأعيش كأي شاب وحيد. هذه السنوات هي التي كونتني، وهي التي صنعت غادة الحالية، والذين يعرفونني قبل عام 1966م، ولم يحتكوا بي بعدها فإنهم لا يعرفون غير اسمي. وكل ما تعلمته حقا تعلمته في سنوات الصراع تلك... فهمت خلالها فعلا معنى أن يكون الإنسان طريدا ووحيدا ومهددا بالسجن وبلا أي سند في العالم، وإذا مات في غرفته، فقد لا يكتشف الجيران جثته إلا بعد مرور أيام ويفعل رائحتها لا يفعل افتقاد أحـد لـه...خلال تلك السنوات واجهت الناس غريبة في بلدان غريبة بدون حماية الأسرة، والمركز الاجتماعي والنقود، وتعلمت ما لم أتعلمه طيلة أيامي السابقة... عرفت ما لم أتعلمه طيلة أيامي السابقة... عرفت أصدقائي النادرين في أنحاء العالم العربي منهم الشهيد غسان كنفانى الذي استحصل لي جواز سفر عربي آخر، وندرة من الآخرين، وأكثرية من شاهري السكاكين المنتظرين سقوطي، أو مصالحتي في حال استمراري، كانت سنوات تعلمت خلالها أشياء كثيرة عن طبقات لم تكن ظروفي السابقة تتيح لي فرص الاحتكاك بها، وإذا بي بين ليلة وضحاها أنتمي إليها... كان للأمر عذوبته ومفاجأته، وقسوته، وكان أقسى ما فيه اكتشافي النهائي لتفاهة مفاهيم المجتمع الدمشقي البرجوازي الذي كان يعتبرني في تلك السنوات امرأة هالكة، وكنت في الحقيقة امرأة بدأت تحيا وفنانة تزداد وعيا... وربما كنت قبلها هالكة، ولا نجاة لي لو لم أمر بها... وأرى كل شيء من جديد عبر نافذة أرحب، وأطل فضاء لم يدر بخلدي قط أنه هناك..."، ويظهر وضع الحرب الحرج في أدب الكاتبة، لأنها عندما كانت طفلة صغيرة فحينئذ "اشتعلت نار الحرب الأولى في فلسطين عام 1948م، وما إن بلغت سن المراهقة حتى اندلعت حرب السويس عام 1956م. ثم أصبحت الحروب المتوالية في حياة حيلها: وهي حروب 1967م، و1973م، و1975م، الوطنية والأهلية والطائفية، لذلك أصبحت الحرب محورا رئيــا فـي الأدب العربي المعاصر، ولاسيما عند الكتاب المصريين والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والأردنيين، أينما دارت الحروب في بلادهم أو على حدودهم.
وإن سورية أكثر حساسية لمسألة الحرب بسبب وضعها الجيوبوليتيكي، لأن الأردن وفلسطين ولبنان كلها تقع ضمن دائرة سورية، لذلك الأدب السوري الحديث من الشعر والرواية والمسرح والقصة القصيرة مملوء بموضوعات الحرب وقضاياها، وخاصة أدب ذلك الجيل الذي تنتمي إليه غادة السمان، حيث عايش خمس حروب، إحداهن الحرب اللبنانية، وأهم أسباب هذه الحروب، هو القضية الفلسطينية التي لم يتم حلها حتى الآن. والكاتبة هي إحدى رموز الجيل المعاصر، وأدبها يدور حول ثلاثة محاور.
كان أدبها وحياتها ردا على النشأة البرجوازية، ورغم أنها كانت ابنة أستاذ جامعي، وهي نفسها بدأت حياتها العملية كأستاذة محاضرة في جامعة دمشق، لكنها تمردت على المجتمع البرجوازي السوري، حيث تركت الأسرة والجامعة، وسافرت إلى أوروبا الغربية في جولات من التجارب الإنسانية الـحـرة والعميقة، وقد كانت غادة السمان مفاجأة لجيلها من الرجال والنساء، لأنها قدمت نموذجا جديدا على الحياة العربية المحافظة، ومنهجا حديثا في الفكر والسلوك. ومن هنا كان إنتاجها الأدبي مغايرا ومختلفا عن القيم الأدبية السائدة في الوطن العربي، ولكنها ليست مقطوعة العلاقة بتراثها الأدبي السائد، بل هي جزء من التقاليد العريقة لأدب بلادها، وأضافت إلى هذه التقاليد تجارب كثيرة لامرأة عربية تنتج بأسلوب بديع، وتثقفت بأهم تيارات الثقافة الإنسانية في الغرب وخاصة الآداب الإنكليزية والفرنسية. وهي أيضا تجارب الفتاة الشابة التي تركت وراءها الحياة البرجوازية لتعمل وتعيش في عالم قاس، وهذه الأوضاع والأحوال التي واجهتها غادة في أوائل عمرها، قد أثرت في أدبها سواء في الرواية. أقامت غادة السمان خمس عشرة سنوات في باريس مع زوجها وابنها من أجل الحرب في لبنان.
حياتها الأدبية:
بدأت غادة السمان بالكتابة مبكرا، كانت بداياتها الأدبية مندرجة في إطار الأدب النسائي والحركة النسائية ضمن مناخ حيل سابق من الأديبات أمثال: كوليت الخوري (1937م) من سوريا وسميرة عزام (1927م) من فلسطين. أعلنت الأديبات منذ ذلك الوقت التزامهن بالنضال لتحرير المرأة في البلاد العربية، وقد دار محور نصالهن حول رفض العبودية الاجتماعية والجنسية التي تعيشها المرأة العربية بشكل عام، وكانت قصصهن وأعمالهن مستمدة مباشرة من تجاربهن الشخصية التي عشنها، ولكن أعمال الرائدات في حركة تحرير المرأة لم تستمر في قوتها، ولم تحافظ على النبرة الجدية المقنعة، فقد بدأت تفرغ من محتواها مع الركاكة في نوعية الإنتاج والقيمة الأدبية والفنية.
توسعت أفاق الرؤيا لدى غادة السمان تدريجيا، فصارت واقفة في وجه القمع والقهر بوجه عام، وداعية المجتمع العربي إلى الحرية الإنسانية لا حرية المرأة وحدها. وكتاباتها الأخيرة هي صرخة باسلة لتحرير الإنسان في العالم العربي مما يفسد إنسانيته، ويعرقل النمو الحر لطاقاته. تقول الكاتبة بأولادي كابوا: "نلمس من خلال متابعة إنتاجها ومجموعاته عمقا ونضجا كبيرين في طرح مواضيع الشباب التي تركز عليها انتباه الكاتبة ضمن جيلها، جيل كثير من الشباب العرب الذين يشعرون بأن التقاليد القديمة الرجعية شيء قد مضى عليه الزمن وبضرورة خلق تغيير ملائم للعصر، ولكنهم في الوقت نفسه، لا يزالون منطبعين بتلك العقلية التقليدية لأن جذورهم قد نمت في أرضها...".11 أما أسلوب كتاباتهـا فيمتاز بالوضـوح والدلالة، ألفاظها وكلماتها صخمة وصعبة في أغلـب الأحيان، لكن استخدام التشبيهات والاستعارات والكنايات زاد كتاباتها جمالا وروعة ودلالة على المعاني بقوة أكثر فأكثر، حتى إن كثيرا من جمل كتبها وفقراتها جعلت تتردد على ألسنة خاصة الشباب، أذكر بعضا منها على سبيل المثال:
)1(لا تستطيع أن تعيش في سلام وتموت في سلام مادام في الدنيا ظلم (كوابيس بيروت).
(2) كم هو مفجع أن تصير الشيخوخة طموحا (كوابيس بيروت).
(3) لا...لاتكرههم...الكراهية اعتراف بوجود الشيء المكروه...وهي لا تحس بوجوده
على الإطلاق (عيناك قدري).
أهم أعمالها الأدبية:
عيناك قدري: (1962م)، هذه مجموعة القصص المنشورة عام 1962م، وأول أعمال الكاتبة، وبمجرد ظهورها أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية العربية، حيث بدت موهبتها الكتابية واضحة، كما ظهر ذكاؤها وإبداعها في هذا المجال. وما تناولته من مواضيع يشير إلى بدايات مهنية لامعة، رغم كونها لا تزال في مرحلة جنينية في ذاك الوقت، ونلحظ التطور الذي تبعها مع توالي الكثيـر مـن أحـداث اجتماعية، سياسية وتاريخية ساهمت في إنضاج الكاتبة إنسانا وأديبة. بطلات القصة كن طالبات تمردن على القواعد الاجتماعية والعائلية، ووجدن التعليم أداة حرية وسلاح تقدم يتضمن مستقبلا زاهرا اقتصاديا ونفسيا، مؤكدة بذلك حق المرأة في بناء ذاتها وإرادتها في التحرر.
لا بحر في بيروت: (1963م)، طبعت هذه المجموعة القصصية عام 13.1963، أكبر في تحليل الكاتية للعلاقة فيما بين الرجل والمرأة، حيث أظهرت الوجوه العديدة لهذه العلاقة غير المألوفة في المجتمع الشرقي التقليدي، وقد نقدت الكاتبة ذلك الربط الزائف الأعمى، والذي لا معنى له للمرأة بالتقاليد التي لم تعد تنسجم مع تغيرات العصر وتطوراته، والكاتبة لاتحث على الإلغاء الكامل للتقاليد، بل كل ما أرادت التمرد عليه هو اعتبار المرأة دون مستوى القدرة على التفكير المستقل، وكون رؤوس الآخرين جاهزة دائما لتقوم عنها بمهمة، وبذلك يتجاوزها الزمن وتطوراته. والقصص في هذه المجموعة هي: "تداء السفينة"، "أنياب رجل وحيد"، "الرجل ذوالهاتفين"، "لعنة اللحم الأسمر".
ليـل الغرباء: (1966م)، نشرت هذه المجموعة عام 1966م، توضح فيها الكاتبة موضـوع الضياع الرومانسي بشكل أكبر. ففي تلك الفترة (حوالي 1964م) انتقلت غادة السمان إلى بيروت لدراسة الماجستير، وخلال هذه الفترة قامت بأسفار عديدة متواصلة إلى البلاد الغربية وبشكل خاص إنكلترا، حيث تابعت دراستها في لندن. يدل عنوان المجموعة على محتواها، ففي القسم الأكبر من القصص تعرض الكاتبة حياة الشباب العرب الذين يعيشون مثلها في لندن كطلبة، وتعالج المشاكل النابعة من الفروق العميقة بين بلادهم الأم والمجتمع الغربي، فقد وصفت فيها العادات الغربية والقيم والتقاليد وأسلوب العمل والتفكير المختلفين جدا عما ألفه الشباب العرب في بلادهم، فالمدينة باردة، وكل ما فيها رماد كئيب وسط ضجيج الحركات الآلية النشطة. "التفتت غادة السمان إلى جيلها، جيل بلا حوافز أو أهداف، قد فقد حاسة التوجه ونقطة الجوع، قد يشكل الغرب له نقطة جذب ومغامرة وتجربة ومن القصص في هذه المجموعة هي: " أمسية أخرى باردة"، "بقعة ضوء على المسرح"، "فزاغ طيور آخر"، "المواء"، "يا دمشق".
رحيل المرافئ القديمة: (1973م)، صدرت هذه المجموعة في عام 1973م، وكانت متشربة بجو تلك الفترة التاريخية، فترة ما بعد الحرب العربية الإسرائيلية لعام 1967م. كما كانت شاهدة على ذلك الحدث الهام الذي خرج العرب منه بالهزيمة".16 نجد في هذا العمل تطورا كبيرا في معالجة مختلف القضايا، سواء السياسية أو الاجتماعية، فاتخذت الكاتبة من الهزيمة الحربية نقطة بداية، لتعالج بشكل أعم قضية أكثر عمقا: الهزيمة الشاملة، مع إرادة أبناء جيلها واستعدادهم لتجاوز ذلك بالعمل مشمرين عن ساق الجد.
حب: (1973م)، طبعت هذه المجموعة عام 1973م، وهي عبارة عن رسائل كتبت ما بين 1973-1960م، تحتوي نوعا من الاعترافات الحميمة للكاتبة، إنها ليست نوعا من المذكرات الشخصية، لأنها مثلت فقط واحدا من الوجوه المتعددة لشخصيتها، وترجمت ردود فعل امرأة في مواجهة أساليب مختلفة لتفكير الرجل فيما يتعلق بالحب، فالكاتبة غادة السمان حاولت التقاط بعض اللحظات القصيرة الهاربة من هذا الشعور وتحليل العلاقة: حب – كراهية وحب موت، والحب الذي تحكي عنه عادة السمان في هذا الكتاب أساسه الحرية في اختيار من تحبه، وكردة فعل عن كل من كيت حب المرأة العربية من ألف سنة.
بيروت 75: (1975م)، نشرت الرواية عام 1975م، وهي " أول رواية للكاتبة بعدما انحصرت كتاباتها لمدة 15 عاما بالقصة القصيرة. دارت أحداث الرواية في بيروت، يمكن اعتبار الروايـة نبـوءة حقيقية للحرب الأهلية اللبنانية". للرواية شكل فني خاص، فهي تتكون من خمس قصص مستقلة، يجمعها الزمان والمكان فقط، حيث تتطور ضمنها حالة بيروت قبل الحرب الأهلية. إن الكاتبة قد اختارت مدينة أحبتها بالرغم مما فيها من أشواك وألغام، فقد كانت ملجأ لأحلامها، استطاعت أن تنسج فيها أمالها، لذا يجمعان حلما واحدا؛ هما: الثروة والشهرة، وكل منهما يرى في بيروت المنقذ الوحيد للتخلص من حياة باهتة رمادية لا تحمل لهما فرص الصعود والنجاح المهني.
الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية: (1997م)، صدرت هذه الرواية عام 1997م. تتحدث عنها الدكتورة ماجدة حمود قائلة: "تمثل رواية غادة السمان التي ظهرت في أواخر التسعينيات (1997م) استمرارا لمرحلة النضج في إبداع الكاتبة الروائي الذي لمسناه في "ليلة المليار"، فخطت فيه خطـوات هامة، مما كرس ريادتها للرواية العربية ليس في سوريا فقط، وإنما في الوطن العربي بشكل عام، مما منح الإبداع النسوي في الرواية مكانة متميزة". إن "الرواية المستحيلة" تفصح عن رغبة الكاتبة في تقديم سيرتها الذاتية بحرية مطلقة، كما تفعل الكاتبة العربية حين تقرر تقديم تفاصيل حياتها. لكن غادة السمان تدرك أن ذلك يكاد يكون مستحيلا في مجتمعنا التقليدي، لذلك تلجأ إلى الرواية لتجد فيها ملاذا آمنا لحريتها في التعبير عن ذاتها، وإن الكاتبة تعترف على صفحات هذه الرواية بكتابة المذكرات: "ها أنا للمرة الأولى في حياتي أسطر مذكراتي بضمير المتكلم، وأتحدث عن نفسي... ولا أكتب شيئا نصفه خيال ونصفه حقيقة، ولا أخاف أن يعرف أحد أنني أتحدث عن نفسي ولا أخاف من كوني وفي النهاية تتعرض لحادث في الطائرة الشراعية التي تتعلم قيادتها بصحبة الريان، حيث انتابته أرمة قلبية مفاجئة، ولا سفر أمامها من قيادة الطائرة بنفسها والهبوط بها، وتم ذلك بصعوبة بالغة، والجميع قد افتخر بشجاعلها افترف ذلك.
الخاتمة:
أخيرا توصلت إلى هذه النتائج والاستنتاجات بعد دراسة حياة غادة السمان وآثارها الأدبية فهي:
-1إن الكاتبة الروائية المعروفة غادة السمان أعطت للرواية السورية شكلا ومضمونا، وملامح مميزة.
2- تستخدم في رواياتها لغة عربية فصيحة، ولا تستخدم اللغة العامية مثل كثير من الروائيين، كما تستخدم أسلوبا أدبيا رصينا.
3- نلاحظ أن الروائية في معظم رواياتها صورت حالة الطبقة المتخلفة الفقيرة للمجتمع وما تعاني من البؤس والفقر والحرمان، والظلم والجور من قبل الطبقة البورجوازية.
4- إن الروائية تتحدث عن الواقع، وعما يجري في أرضها.
5 - تبدو الروائية حزينة متألمة عن واقع شعبها، وتدعوه إلى النهوض والعمل في مجالات الحياة.
6-إن رواياتها أصدق تعبيرا عن مشاعرها الأنثوية حيث حاولت أن تقوم بإعادة حقوق المرأة الفاقدة عن هذا الطريق.
7-ومن أهم ما تتميز به الروائية عن غيرها أنها دائما تتحدث بجرأة، وتصور معاناة الشعب دون خوف. وفي الأخير أقول إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والكمال لله وحده، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت واليه أنيب...
المصادر والمراجع: