صراعُ الذَّاتِ الأنثويةِ في ديوان "أصداء من الألم " للشاعرة المغربية فاطمة الزَّهراء بن عدو

(Feminine Self-Confliction in Asdawun min Alalam Divan (Echoes of Pain) for the Algerian Poet Fatima Alzahraa bin ʿaddu)

د. المكاشفي إبراهيم عبدالله محمد

1*Dr. Elmoukashfi Ibrahim Abd alla Mohammed

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية- كلية التربية – جامعة الخرطوم

1*Assistant professor, Department of Arabic, Faculty of Education, Khartoum university, Sudan

DOI: 10.55559/sjaes.v1i01.5 | Received: 02.01.2022 | Accepted: 20.01.2022 | Published: 13.02.2022

Abstract

This study aimed at defining the term of selfness and its association with poetry, then discussing feminine self-confliction in the poetic collection of Asdawun min Alalam as to unveil what the poet had encountered of pains and sufferings as well as her attitudes toward her Arab society during the second half of the twentieth century. Moreover, it aimed at understanding dimensions and nature of conflict between man and women in the East generally.

The researcher adopted the descriptive analytical method in this study. The study came to a number of findings, the most important of which are: first, man in Asdawun min Alalam Divan is used as an indication to injustice and selfishness; he deprived woman from her freedom, value and dignity. Then, the reality of the Eastern community confuses between love, friendship, and marriage as well as between attraction and admiration. In addition, the Eastern manly brain is controlled by masculinity and virility, and those brains are - more or less - sex slaves as well as an animal of the modern civilization. Finally, there is an urgent necessity for a revolution that would take down this falling and shaky structure of the dominant masculine heritage.

Keywords: Self- Confliction, echoes of pain, Fatima Alzahraa bin ʿaddu

مستخلص

هدفت الدراسة إلى التعريف بمصطلح الذاتية وعلاقته بالشعر، ومن ثم الوقوف عند ظاهرة صراع الذات الأنثوية في ديوان "أصداء من الألم" لإبراز ما كابدته الشاعرة من مشاق ومعاناة وما أبدته من مواقف حيال مجتمعها العربي إبان النصف الثاني من القرن العشرين، وكذلك فهم أبعاد وطبيعة الصراع بين المرأة والرجل في الشرق عامة.

      اتّبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصل بعد البحث والدراسة إلى نتائج عدَّة، أهمها :إنَّ الرجلَ في ديوان" أصداء من الألم" هو عنوان للظلم والأنانية ، صنع أغلالاً للمرأة وداس على قيمتها وكرامتها، حقيقة أنَّ المجتمع الشرقي  يخلط بين الحب والصداقة والزواج ، وبين الإقبال والإعجاب، إنَّ العقل الذكوري الشرقي تسيطر عليه أفكار الذكورة والفحولة، وما أصحاب هذا العقل إلا عبيد للجنس وحيوان الحضارة الحديثة، إنَّ الضرورة ملحة لثورة عظيمة تحطم هذا البناء المتداعي المتهالك من الموروث الذكوري المهيمن.

الكلمات المفتاحية: صراع الذا- أصداء من الألم- فاطمة الزهراء بن عدو

المقدمة:

     إنَّ الذَّاتية -بوصفها مصطلحاً- أطلَّ على مسرح العلم في مطلع القرن العشرين، ضمن عشرات المصطلحات التي اُستخدمت في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع ، ومن ثم قفذت إلى ميدان الأدب لتدل على التجربة الشعرية المستوحاة من ذات الشاعر الخاصة حيال الحياة بما فيها من آمال وآلام وتفاؤل وتشاؤم.

     وليس معنى هذا خلو الشعر عامة- قديمه أو حديثه- من التجربة الذاتية قبل ظهورها مصطلحاً صنَّف النقادُ وبنوا عليه بعض الأحكام؛ فالشعر كان ولا يزال موضوعياً وذاتياً، ذاتيُّ من حيث تعبير الشاعرعن رؤاه الخاصة و موضوعي من حيث تجاوز الشاعر لمظاهر الأشياء إلى لبابها وجوهرها. ومن بين هذين الاتجاهين ينساب الشعر من قرائح الشعراء.

     وإن كان النقاد على شبه وئام فيما يخص موضوعية الشعر إلا إنهم على خلاف فيما بسبيل الذاتية ، التي كثيراً ما ينعتوها بالفردية، ويرون أن الشعر الذي يصدر عن ذاتٍ محضة لا يعبر عن المجتمع ولا يتناول قضاياه، ومنهم من رأى بخلاف ذلك وأدلى بأن الذاتية تحمل في طياتها انعكاس الوجود والكون على ذات الشاعر.

ومن بين هذين الاختلافين حول ذاتية الشعر، تولدت الرغبة في تناول تجربةشاعرة رائدة، انطلقت شاعريتها بعد النصف الأول من القرن الماضي، هي: الشاعرة المغربية –صاحبة أول ديوان شعر نسائي بالمغرب الأقصى- فاطمة الزهراء بن عدو. والموضوع منالأهمية بمكان؛لأنه يتناول تجربة شعرية ذاتية لها فوائد عديدة تعين على فهم المجمتع العربي ونظرته للمرأة آنذاك، وفهم أبعاد الصراع الذي كابدته الشاعرة حيال مجتمعها العربي إبان النصف الثاني من القرن العشرين، ونقلته لنا عبر شعرها. وهنا تكمن أهداف الدراسة فحسب.

      هذا وإنَّ الحديث عن صراع الذات الأنثوية في ديوان " أصداء من الألم" للشاعرة فاطمة الزهراء بن عدو ؛ لإبراز ما كابدته من مشاق ومعاناة وما أبدتهمن مواقف حيال صدامها مع مجتمعها، لا يتم بمعزل عن التعريف بمصطلح الذاتية وعلاقته بالشعر.ولذلك ستركز الدراسة على نقطتين رئيستين ، هما : تعريف ماهية الذات وعلاقتها بالشعر، وإبراز ملامح صراع الذات الأنثوية في ديوان "أصداء من الألم" لفاطمة الزهراء بن عدو. على أن تُصدَّر هاتين النقطتين بتعريف وجيز عن حياة الشاعرة وبعض آثارها وإنجازاتها.

أوَّلاً: التعريف بالشاعرة فاطمة الزهراء بن عدو الإدريسي

- من مواليد عام 1953م، بفاس – المغرب.

حصلت على دبلوم الفلسفة من كلية الآداب 1973، ثم دبلوم الصحافة من كلية الآداب بدمشق 1976م.

- مديرة مجلة المغرب ورئيسة تحريرها منذ عام 1979م.

- لها عدد من الدوواين الشعرية ،منها : أصداء من الألم ، موقف، إليك أيها المذكر، شعلة تحت الثلوج. (بوهراكة 2016م).

- أوَّل شاعرة أصدرت ديوان شعر نسائي بالمغرب الأقصى عام 1975م. (بوهراكة 2017م، 11).

وكان لها قصب السبق في أشياء كثيرة أخرى، منها:

أوَّل رئيسة تحرير مجلة برلمانية بالمغرب.

أوَّل شاعرة مغربية لها صالون شعري بالمغرب منذ 25 عاما.

أوَّل عضوة مغربية مشاركة بصالونات الشعر بالقاهرة.

أوَّل إذاعية مغربية عملت بإذاعة دمشق (منسقة برامج).

أوَّل صحفية مغربية قامت بتكوين ملف عن المنظمات النسوية المصرية ، تحت إشراف الجامعة العربية.

ينضافُ إلى ذلك أنها فنانة رسامة، ومختصة في التحليل النفسي.

ثانياً: مفهوم الذات وعلاقته بالشعر:

     الذاتُ لغة : النفس والشخص، ويقال في الأدب: نقد ذاتي : يرجع إلى آراء الشخص وانفعالاته. وهو خلاف النقد الموضوعي. ( المعجم الوسيط، ب ت).

وقيل ذات الشخص نفسه وعينه، والفرق بين الذات والشخص، أنَّ الذات أعم؛ لأنها تطلق على الجسم وغيره، والشخص لا يطلق إلا على الجسم. ( الجرجاني، 1403ه، 46).

     ومن الذات تولدت الذاتية بوصفها مصطلحاً انتقل إلى ميدان الأدب والنقد. وتعريف الذاتية هي: النزعة التي ترمي إلى رد كل شيء إلى الذات. (جلال الدين سعيد، ب ت، 205).

 ومفهوم الذاتية عند الأدباء والنقاد هو أن ينقل الشاعر أفكاره وعواطفه وخياله المستوحى من تجربته الذاتية في الحياة بما فيها من آمال وآلام وتفاؤل وتشاؤم. (هلال، 1997م،362).

 وأما الشعر فمجاله الشعور سواء أثار الشاعر هذا الشعور في تجربة ذاتية محضة كشف فيها عن جانب من جوانب النفس، أو نفذ من خلال تجربته الذاتية إلى مسائل الكون ، أو مشكلة من مشكلات المجتمع، تتراءى من ثنايا شعوره وإحساسه. (هلال، 1997م، 356). وهو مجموعة العواطف والانفعالات التي تهيجها في نفوسنا أحداث الزمن ومشاهد الطبيعة ومفاتن الوجود وألوان الحياة... إنه فن تناول العواطف الجياشة في نفوسنا بالتأليف والانسجام وإبرازها في لغة جميلة ممتعة مؤثرة. (خفاجي، ب ت، 5).

      ولذلك يرى بعض النقاد بأزلية العلاقة بين الأدب والنفس، فالنفس تصنع الأدب وكذلك يصنع الأدب النفس، فالنفس تجمع أطراف الحياة لكي تصنع منها الأدب، والأدب يرتاد حقائق الحياة لكي يضيء جوانب النفس. (عزالدين إسماعيل، 1963م، 5).

     ومن هنا تبدو العلاقة الوطيدة بين الذات والشعر، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، ولكن تتفاوت غلبة أحدهما على الآخر، وفقاً لميول الشاعر واتجاهاته الأدبية أو فلسفته الخاصة عامة.

     ولذلك فلا غـرو إذا كانت الذاتية سمة بارزة من سمات الاتجاه الرومانتيكي في الشعر؛ لأن الشاعر الرومانتيكي معتد بذاته يعتقد أنها مركز العالم من حوله، ولذلك يجب أن يتميز عمَّن يحيطون به في خلقه وعاداته ومبادئه.فجاء أدبه مرآة لذلك التفرد وتلك الأصالة، مما كان سبباً للإعجاب به والنغمة عليه.( هلال،1973م، 37).

ثالثاً: ملامح صراع الذات الأنثوية في ديوان" أصداء من الألم " لفاطمة الزهراء بن عدو:

الحياة في نظر الشاعرة  فاطمة الزهراء جميلة خضراء، يكدر صفوها ويُذهِب جمالها الرجل الشرقي التقليدي بعاداته وتقاليده و نظرته للمرأة عامة!ولذلك فإن يكن هناك خيط واحد ينتظم قصائد ديوان "أصداء من الألم" فهو صراع الشاعرة مع الرجل الشرقي بعاداته وتقاليده الموروثة ، وصراعها مع المجتمع الذكوري عامة الذي ينتمي إليه! فهو بالنسبة لها زلزال يهزها ، يحركها ، يرعبها، يسحقها فيؤلمها.. عبرت عن هذه المعاني مجتمعةً في قصيدتها " أنت بالنسبة لي" ، منها: (فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 11).

أنت بالنسبة لي

زلزالٌ يحركني

يهزُّ كياني

ويرعبني

ويسحقُ مجدي

ويؤلمني..

وهو وإن كان مصدر إلهامها وإنعاش روحها، إلا أن سعادته تكمن في عذابها وآلامها معاً:

عصير برتقال ينعشني

مرة يثير وحي فاكتب الشعر

ومرة استنفر الظلم فيغضبني

على كل حال ...

فأنت آدم بالنسبة لي

جبروته يؤذينا فيسعده .(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 12).

ولذلك ليس هو في مستوى حواء ، والهوة بينهما بعيدة ، كالتي بين الليل والنهار:

لست في مستوى حواء

لأنك لست في مستوى الأقدار

أنت ليلٌ يا حبيبي وحواء النهار

ومتى كان الليل في مستوى النهار؟!(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م،12).

هكذا تبدو نظرة الشاعرة للرجل الشرقي، وحكمها عليه، وقد استتبعت هذه الأحكام في معاني أخرى لا تخلو من السخرية والتهكم، فالقسوة والجبروت هما صنوا الرجل ، ولذلك فهو يستحق هذا التهكم وحط الشأن والكراهية ، تقول :(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 13-14).

جبار عنيد .. من أنت

نبي العصر .. ماركس أنت

مسرحي روائي .. شكسبير أنت

أحببت فيك كل شيء وكرهت أنت

ملايين الأنبياء معي عذبتها أنت.

وإن يكن هناك تقييم يستحقه الرجل في الشرق عامة..فهو عنوان للظلم والأنانية ، صنع أغلالاً للمرأة وداس على قيمتها وكرامتها:

والمرأة صنعْتَ أغلالها بيديك

أنت من أنت وماذا أنت؟

والمرأة

حريتها

قيمتها

كرامتها

كلها أشياء دستها

كلها أشياء حطمتها.

الظلم أنت

الأنانية أنت

المجتمع أنت!(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 18).

وأحياناً تبدو معالم هذا الصراع في تساؤلات تثيرها هي نفسها ، لتنفذ من خلالها إلى أحكام تسقطها على الرجل، من ذلك قولها :(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 21).

أحقاً يا حبيبي

أحقاً أنك علمتني الانحراف؟

أحقاً يا حبيبي

أنني خنتُ مبادئي

ودفنت النبل!

وثرت على الأشراف؟

كم أقنعتني

من أنك متحرر يا حبيبي

وأنك ثائر

ولكن نسيت

أن الراغب قائل

وأن السم قاتل .

ولذلك فهي دائما ما تحاول أن ترسم صورة قوية لنفسها في صراعها مع الرجل وأن تقف شامخة أمام استبداده حتى تصبح مستحيلا لا يقوى عليه الرجل، ولترد بعض الأقوال التي تقرر بأنَّ المرأة لا تحب إلا الرجل القوي الذي يكشف ضعفها إلى جانب قوته. وليس لها نصيب من ادِّعاءاتها بالحرية والاستقلال. (سيمون دي بفوار، ب ت، 15).

تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 23).

كالماء يكتب فوق النخيل

كالأعمى ينظر في الدرب الطويل

هكذا أنا

هكذا أنا يا حبيبي

لوحة من المستحيل.

ورغم الذي تقدم ، فإنَّ هناك آراء نسائية

     هذا وقد أخذت بن عدو في بعض قصائدها كثيراً على مجتمعها الذي يخلط بين الحب والصداقة والزواج ، وبين الإقبال والإعجاب ، ولذلك فإن قلبها ذكى، معتزلاً الناس لوهمهم وعبثهم ولعبهم الذي يتخبطون فيه، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 30).

قلب ذكى

تسلق الاعتزال لمَّا

رأى الناس يحبون..

بين الحب والصداقة يمزجون

من الصداقة إلى الزواج يقفزون!

لأنهم واهمون

لأنهم عابثون

لأنهم لاعبون

قلب ذكى

تسلق الاعتزال لمَّا

رأى الناس يحبون

بين الإقبال والإعجاب يخلطون.

وكأنَّ الحب عند الرجل يولد ليلاً ثم يموت صباحاً ويصبح له معاني مبهمة غامضة! فتعمم الشاعرة هذا الحكم على مجتمع القرن العشرين كله، والذي ترى فيه بقسوة الرجل وتحطيمه للقيم، فيتحول الحب عندها إلى ذنب في عصرها، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م).

الحب قيمة ضعيفة واهية

الحب ذنب في القرون العشرينية.

ولا غرو في ذلك ، لأنَّ الحبَّ– كما قيل- عند المرأة شغل شاغل وصناعة دائمة، وعند الرجل رياضة فراغ، وسكن من جهاد. (العقاد، ب ت، 71).وبين هذين الاختلافين يتبادل الرجل والمرأة التهم في إذهاق روح الحب.

ولا بد أنَّاضطراب الحياةالذي عايشتهالشاعرة، والسيطرة الذكورية على مجتمعها، قد صبغ بعض شعرها بصبغة تشاؤمية كرهت بسببها الحياة ، على ما فيها من مباهج ومسرات، فلا الربيع وغيره من مظاهر الطبيعة يدخل في نفسها البهجة، بل صار كل شيء يضايقها لدرجة جعلتها تنظر للحياة بمنظار أسود، فالتاريخ سرد من نفاق والحاضر جثة لا تطاق، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 36).

كل شيء يضايقني

كل شيء يحيَّرني

حتى الأغصان فوق الشجر

حتى الربيع تحت ضوء القمر

كل شيء ...

حتى شكل الرقصات

شبيه عندي بالآهات

حتى منظر الغابة

شبيه عندي بالكآبة

كل شيء ...

حتى تاريخنا

حكاية من النفاق

حتى حاضرنا

جثة لا تطاق

...

لنعترف أنَّا فشلنا

ولم يبقَ إلا النفاق

كفانا سبات كفانا شرود

هذا الغباء قد تعدى الحدود

فأين الأكسجين وأين الوقود.

وليس من عجبٍ فيماذهبتإليه الشاعرة، لمن عرك مجتمعالنصف الأول منالقرن العشرين أو ما بعده، وعرف ما فيه من العنت والمشقة التي كابدتها المرأة عامة والمتعلمة خاصة، تقول حاجة كاشف بدري وهي من مؤسسي الاتحاد النسائي في السودان، ومن أوائل النساء اللائي زاحمن الرجال في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي:" ما أن أحسَّ الرأي العام ببداية تكوين نادي نسائي 1944م، حتى ثار على صفحات المجلات والصحف رافضاً الفكرة على أنها خروج على المثل والأخلاق القويمة". (حاجة كاشف بدري، 2002م، 107).

وإشارة لما تقدم فليس بدعاً أن تنعي بن عدو في قصيدتها "لستُ عبدةً" معاني الرجولة التي تستغل النساء وتحولهن إلى إماء، فتهدر كرامتهن وتسحقهن ، تقول: (فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 37).

لستُ عبدة يا سادتي

حتى تستغلوا سيادتي

حتى تحرقوا وسادتي

حتى تعكروا سلامتي

حتى تعبثوا بسياستي

وتهدر كرامتي

وتسحق سطوتي

لتقول بعد ذلك

هذه رجولتي!

وحين يبلغ الصراع بها أوجَّه حيال التقليد والفكر الذكوري المسيطر ، ترى بضرورة ثورة عظيمة تحطم هذا البناء المتداعي المتهالك من الموروث الذكوري المهيمن، فالثورة رسالة الأنبياء والجمود نعمة الأغبياء، تقول: (فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 35).

يجب أن تثور

لتحطم القيود

ثُرْ

فالثورة رسالة الأنبياء

والجمود نعمة الأغبياء.

كما أن قصيدتها " جنون " ليس إلا انعكاس حقيقي لهذا القلق الذي تعيشه بسبب مجتمعها الغارق في بحر الظنون، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 46).

في أعصابي يعيش القلق

في بيدائي ضاع الشروق

في مجتمعي سوء الظنون

في مجتمعي أعيش الجنون.

ولا عجب أن يتحول هذا الجنون إلى وقود ليحرق تلك القيود التي يرسف فيها مجتمعها، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 48).

بعبيرها تحيى وتعيش الورود

وأنا كل اهتمامي وحياتي بالشرود

وحياتي عطر وروده الوقود

لأن نشوتي إحراق كل جحود وقيود.

وأما قصيدتها " عبيد الجنس" فقد نعت فيها العقل الذكوري الذي تسيطر عليه أفكار الذكورة والفحولة، فليس أصحاب هذا العقل إلا عبيداً للجنس، يهدرون الكرامة لسذاجة عقولهم وغباوتهم ، يحملون قلوبا من حديد لا تعي من الحب سوى الجنس، فلذلك هم عبيد الجنس وحيوان الحضارة الحديثة، تقول: (فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 49-50).

أمن أجل الجنس تسمعون الملامة؟

أمن أجل الجنس تهدرون الكرامة؟

أ للجنس كلكم عبيد السذاجة؟

أ للجنس كلكم ضحايا الغباوة؟

أ بالجنس أنتم حيوان الحضارة؟

ماذا تفهمون يا عبيد يا قلوبا من حديد؟

وما جاء في قصيدتها " لن أعود إليك" يعتبر امتدادا لحملتها على الرجل ، وإن كانت القصيدة تحمل في طياتها تجربة خاصة ، إلا أنها عممتها على رجال محيطها عامة، فالرجل انتهازي لا هم له سوى اللهو واللعب، تقول: (فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 53).

لأنك صبي

لأنك غبي

لن أعود إليك

كأبناء جنسك كنت انتهازيا

كأبناء جنسك كنت غبيا

شتان ما بيننا

كفاك أن تلهو وتلعب

كفاني أن أثور وأغضب

وفي قصيدة أخرى تقول :(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 62).

إلا أن قيمة رجولتك يا سيدي

أسفل درجات أنوثتي.

هذا ولم يمنعها صراعها وصدامها الشعري حيال مجتمعها الذكوري من أن تناول بنات جنسها -ممن يبعن كرامتهن ويدنسن عرضهن –بالشدة والتعنيف وإنكار هذا الخلق المشين والمعيب لهن ولأخواتهن، تقول:(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 66).

أراك تتبرعين

يا سيدتي

أراك تتصدقين

بالكرامة تتكرمين

وبها تشترين

بكل صدق وسخاء

مع ألوف المعجبين.

أبهذه السخافة تحطمينا

وتتحطمين؟

أ باسمنا تتكلمين وتمزقينا

وفينا تطعنين؟
وحقيقة الأمر فقد سيطرت معاني القوة والتحدي والتعنيف على الرجل على جل معاني ديوان "أصداء من الألم"  لدرجة بلغ الأمر فيها ألا تخلو هذه المعاني من قصيدة موضوعها الحب وسموه وانتصاره!

سمى الحب بنا يا حبيبي

إلى حيث الصبا

إلى حيث القدر

وانهزمت أنا وأنت

ولكن الحب انتصر

ووجدتني يا حبيبي

أردد في كدر

اتحدى الحب اتحدى القدر..

لا أبالي بالتحدي ولا بما يسمى الحذر

لأنني يا حبيبي

من حديد

بل من فولاذ

بل بما يسمى

بالحجر!(فاطمة الزهراء بن عدو،1975م، 67-68).

فحسبك مفردات من نحو : حديد وفولاذ وحجر وما تشير إليه من معاني!

الخاتمة:

    بعد هذا التطواف والتجوال مع ظاهرة صراع الذات الأنثوية التي اكتنفت ديوان " أصداء من الألم " لفاطمة الزهراء بن عدو، خلصتالدراسةإلى عدة نتائج تتمثل في الآتي:

- إن المجتمع الشرقي عامة ، إبان القرن العشرين، لم يتوفر على شاعرات إلا قليلاً، وإنَّ هذه الأصوات الأنثوية الشاعرة وما نتج عنها من شعر ثائر، كان نتيجة لصراع ضد عادات وتقاليد وموروث ثقافي بالٍ.

- إنَّ الرجلَ في ديوان" أصداء من الألم" هو عنوان للظلم والأنانية ، صنع أغلالاً للمرأة وداس على قيمتها وكرامتها.

- إنَّ المجتمع الشرقي  يخلط بين الحب والصداقة والزواج ، وبين الإقبال والإعجاب .

- إنَّ الحبَّ– في نظر الشاعرة- ذنبٌ القرن العشرين.

- الرجولة الشرقية تستغل النساء وتحولهن إلى إماء، فتهدر كرامتهن وتسحقهن.

- العقل الذكوري الشرقي تسيطر عليه أفكار الذكورة والفحولة وما أصحاب هذا العقل إلا عبيد للجنس، يهدرون الكرامة لسذاجة عقولهم وغباوتهم ، يحملون قلوبا من حديد لا تعي من الحب سوى الجنس، فلذلك هم عبيد الجنس وحيوان الحضارة الحديثة.

- الضرورة ملحة لثورة عظيمة تحطم هذا البناء المتداعي المتهالك من الموروث الذكوري المهيمن في الشرق الأوسط، حسب رؤية الشاعرة.

المصادر والمراجع:

بوهراكة( فاطمة بوهراكة)2017م ، مائة شاعرة من العالم العربي (قصائد تنثر الحب والسلام)، مطبعة وراقة بلال، المغرب.

بوهراكة( فاطمة بوهراكة)2016م ، الموسوعة الكبرى للشعراء العرب، مطبعة وراقة بلال، المغرب.

الجرجاني(علي بن محمد بن علي ) 1403ه ، التعريفات، دار الكتب العلمية ، بيروت.

جلال الدين سعيد،( ب ت). معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، دار الجنوب، تونس.

حاجة كاشف بدري،2002م، الحركة النسائية في السودان، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم.

خفاجي(محمد عبد المنعم)( ب ت) ، الشعر والتجديد، دار المعهد الجديد، القاهرة.

سيمون دي بفوار،( ب ت) ، كيف تفكر المرأة، المركز العربي للنشر، الإسكندرية.

عزالدين إسماعيل ،1963م التفسير النفسي للأدب، دار الغريب للنشر، ب م.

العقاد( عباس محمود) ( ب ت) هذه الشجرة، دار نهضة مصر، القاهرة.

فاطمة الزهراء بن عدو الإدريسي،1975، أصداء من الألم، سوش بريش للطبع والنشر.

مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ،(ب ت)، مكتبة الشروق الدولية.

هلال( محمد غنيمي )، 1973م، الرومانتيكية، دار العودة، بيروت.

هلال( محمد غنيمي) 1987، النقد الأدبي الحديث، نهضة مصر، القاهرة.



Published in: Sprin Journal of Arabic-English Studies
ISSN: 2583-2859 (online)
Unique link: https://ae.sprinpub.com/sjaes/article/view/5