The Features of Simile in the Novel of (Bandar Shaa/Daw-al-beit) Written by Tayeb Salih

الصورة التشبيهية في رواية (بندر شاه / ضو البيت) للطيب صالح

1*Dr. Elmoukashfi Ibrahim Abdalla Mohammed

د. المكاشفي إبراهيم عبدالله محمد

1*Assistant professor, Faculty of Education, Department of Arabic, Khartoum University, Sudan

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية- كلية التربية – جامعة الخرطوم

DOI:10.55559/sjaes.v1i02.8Received: 22.02.2022 | Accepted: 15.03.2022 | Published: 02.04.2022

ABSTRACT

The study aimed to highlight the features of simile in the novel Bandar Shaa (Daw-al-beit) written by Tayeb Salih. The purpose of the study is to report to what extent the novel is in harmony with what it describes and the effect of that on the portrait of characters and the description of their environments, reveal the pictorial capacity of Tayeb Salih to convey the meanings he wishes, and to investigate the sources of his artistic portrait. The researcher employed a descriptive method, and after the study research, the study revealed several findings. The most important of them is the capacity of the writer to elicit the features of simile from the environment to convey meanings better than thousands of words can do. The features of simile have combined the beauty of simile and the strength of meaning. Results indicated the ability of the writer to elicit his similes and make them relevant to the meanings and explain them in ingenious details that reveal their attractions. The features of simile have revealed many meanings that signify the fears of the writer, such as the disorder of lifestyle and the acceleration of its course (Wad Hamid) and its precipice to the change, which may blow constant values and roots; this is the matter that the writer apprehends to occur at one time. The features of simile have played a significant role in transforming the character of “Daw-al-beit” into a legend and icon, through which the writer expresses the meanings he wishes. Most of the features of simile were sensual, principally in the aspect of the likened character.

Keywords: Features of Simile-Bandar Shaa/Daw-al-beit, EltayebSalih

مستخلص

هدفت الدراسة إلى تناول الصورة التشبيهية في رواية بندر شاه (ضو البيت) للأديب الطيب صالح؛ بغية بيان مدى تناغمها مع الحال الموصوف بها وأثر ذلك في رسم الشخصيات ووصف بيئاتها، وإبراز القدرة التصويرية للطيب صالح على نقل المعاني التي يرومها، والوقوف عند مصادر التصوير الفني لديه. اتبع الباحث المنهج الوصفي وتوصَّل بعد البحث والدراسة إلى نتائج عدَّة، أهمَّها: قدرة الكاتب على انتزاعالصورة التشبيهية من البيئة وتحميلها من المعاني ما لا تحمله عشرات الألفاظ، جمعت الصورة التشبيهية بين جمال التشبيه وقوة المعنى، ودلت على قدرة الكاتب في انتقاء تشبيهاته وملائمتها للمعاني وتفصيلها عليها تفصيلاً حاذقاً يبرز مفاتنها، أوحت الصورة التشبيهية بالكثير من المعاني التي تعبر عن مخاوف الكاتب من اختلال نظام الحياة وتسارع وتيرتها في (ود حامد) وانجرافها إلى تغيير ربما يعصف بالقيم والجذور الثابتة، وهو الأمر الذي يخشاه الكاتب أن يحدث دفعة واحدة. لعبت الصور التشبيهية دورا كبيرا في تحويل شخصية "ضو البيت" إلى أسطورة ورمز عبر من خلاله الكاتب عمَّا يريد. جاءت الصورة التشبيهية - في أغلبها -حسية فيما يخصُّ جانب المُشبَّه به.

الكلمات المفتاحية: الصورة التشبيهية- بندر شاه/ ضو البيت- الطيب صالح

المقدمة:

يقول الجاحظ في معرض حديثه عن قضية اللفظ والمعنى: المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي والمدني. (الجاحظ، 1965م، 131).

ورغم الحملة الشعراء التي تعرض لها الجاحظ واتهامه بتفضيل اللفظ على المعنى ، إلا أنه - حتماً – كان يشير إلى ضرورة اختيار اللفظ الذي يليق بحمل المعنى ويكون مفصلاً عليه تفصيلاً يبرز مفاتنه؛ فالمعاني رصيد إنساني عام يشترك فيه الناس بنسب متفاوتة، ولكن الذي يميّز الأديب هو قدرته على التعبير عنها بأدوات لغوية مناسبة، ولعل هذا ما رمى إليه الجاحظ فحسب، وليس ببعيد من قضية اللفظ التي طرقها الجاحظ، الصورة الفنية التي تساعد الأديب في نقل المعاني بمنأى عن التقريرية والمباشرة، والإيحاء بها إيحاء له أبعاد دلالية عميقة، فالصورة الفنية هي الإطار الذي يصب فيه المبدع ما اعتمل في نفسه وما اختلج فيها من مشاعر صادقة حيال موقف من مواقف الحياة، يحاول جاهداً أن ينقله للمتلقي ليؤثر فيه فيشاركه الشعور، ولا شك أن التشبيه بوصفه عنصرا أساسيا من عناصرها وركنا من أركان البيان وعماده، له دور كبير في بناء الصورة الفنية.

وعليه ليس ثمّة شكٍ في أن جمال الصورة التشبيهية عامة، وتناغمها مع الحال الموصوف شعراً أكان أم نثراً، ضربٌ من الإبداع وقوة من التأثير على العقل والقلب معاً، تفعل بهما ما يفعل السحر، وما سُمّيت اللغة العربية بلغة المجاز-على قول العقاد- إلا لأنها تجاوزت حدود الصور المحسوسة إلى حدود المعاني المجردة، فيستمع العربي إلى التشبيه فلا يشغل ذهنه بأشكاله المحسوسة إلا ريثما ينتقل منها إلى المقصود من معناه، فالقمر عنده بهاء، والزهرة نضارة، والغصن اعتدال ورشاقة، والطود وقار وسكينة. (العقاد، 1995م، 33).

وبناء على ذلك جاءت الوررقة تحت مسمَّى "الصورة التشبيهية في رواية "بندر شاه/ضو البيت" للطيب صالح، محتوية على مقدمة ، ثم تعريف بحياة الكاتب، ومن ثم الحديث عن تناغم الصورة التشبيهية مع الحال الموصوف في الرواية نفسها. ومن ثمَّ ختام ذلك بخاتمة تتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى التقاط صور التشبيه المنثورة في رواية "بندر شاه/ضو البيت" الطيب صالح، بغية بيان مدى تناغمها مع الحال الموصوف بها وأثر ذلك في رسم الشخصيات ووصف بيئاتها، وإبراز القدرة التصويرية للطيب صالح على نقل المعاني التي يرومها، والوقوف عند مصادر التصوير الفني لديه.

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة في تناولها لتجربة جديرة بالدراسة تتمثل في قدرة الأديب الطيب صالح على المواءمة بين طرفي التشبيه والخروج بمعانٍ أكثر دقة وإيحاء، وهو أمر قلما يتأتى لكثير من الأدباء ممن لا يتعمقون في حفريات التشبيه كثيرا.

منهج الدراسة:

انتهجت الدراسة المنهج الوصفي، وذلك من خلال جمع الصور التشبيهية المنثورة في رواية بندر شاه /ضو البيت، وتحليلها وصولاً لتحقيق الأهداف المناطة بالدراسة فحسب.

أوَّلاً: التعريف بالطيِّب صالح:

يأتي الحديث أولاً عن حياة الطيب صالح إيماناً بأن دراسة أي أديب لا تتم بمعزل عن تفاصيل حياته وما فيها من عوامل مؤثرة شكلت وجدانه وصبغت فنه وصقلت تجربته، والطيب صالح غني عن التعريف.

ولد بقرية كرمكول بمحافظة مروي شمال السودان 1929م، وتلقى تعليمه الأولي هناك، ثم التحق بجامعة الخرطوم، وسافر إلى بريطانيا 1953م وعمل لسنوات طويلة في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما. ثم استقال منها و عمل وكيلا لوزارة الإعلام القطرية، ثم انتقل إلى باريس ليعمل مديرا إقليمياً بمنظمة اليونسكو، وعمل ممثلا لهذه المنظمة في منطقة الخليج العربي في الفترة من 1984-1989م. من أعماله : عرس الزين، موسم الهجرة إلى الشمال، بندر شاه (ضو البيت/ مريود)، دومة ود حامد، وغيرها.

وافته منيته في لندن في يوم 18/2/ 2009م، ونقل جثمانه لبلاده ووري الثرى في أم درمان. (عبد الحميد دشو، 2018م، 279).

هذا ما جاء من معلومات عن الطيب صالح في معجم الأدباء العرب في الرواية والشعر والأدب، بيد أن محمود صالح عثمان صالح في تحريره لكتاب "بعد الرحيل في تذكر المريود الطيب صالح"، ذكر في ختام تمهيده للكتاب ما نصه الآتي:

- 12 يوليو 1928هو تاريخ ميلاد الراحل وليس 1929م، كما ذكر أغلب الكتاب.

- فبراير 1953م، هو تاريخ وصول الراحل إلى لندن وليس 1952م.

- 17 فبراير 2009م، هو تاريخ الوفاة وليس 18 فبراير.(حسن أبَّشر وآخر، 2009م، 12).

هذا ورغم الشهرة التي حظي بها الطيب صالح، إلا أنه عرف بتواضعه العظيم وأدبه الجم، وأنه لم يفتتن بالسلطة ولا السياسة، وعُرِف عنه ولعه بشعر المتنبي.( الحسن، 2002م، 20).

قال في حقه خالد محمد غازي: رحل الطيب وترك لنا شيئين : ذكرى إنسانية طيبة مستمدة من اسمه فهو طيِّب وصالح لا يختلف عليه اثنان، وهذا أمر عجيب فلم أرَ في حياتي رجلاً لا يختلف عليه اثنان إلا هذا الرجل.. جمع بين أدب الحرف وأدب النفس، وهما أدبان ما اجتمعا لكثير... الشيء الآخر هو ما أبدعه قلمه من سرد يحمل عذوبة ماء النيل.. تنبع غرائبته وفرادته من بساطته المشحونة بدلالات عميقة لم يُترك موضع إبرة على حد تعبير أحد النقاد، من جسده الروائي، لم تغرز فيه دراسة نقدية أو بحث. (غازي، 2015م، 6).

وهذا التواضع غير المصطنع أكده الطيب صالح نفسه في كثير من حواراته، منها قوله: "لم اسعَ إلى جائزة نوبل، ولم أفكِّر فيها على الإطلاق، وأنا أولاً لا أملك الإنتاج الأدبي الكافي لتأهيلي إلى نيل هذه الجائزة ثم أني لا أعتبرها شيئا متغيرا في تاريخ الأدب ولا شيئاً قادرا على تضخم الكاتب الذي يحصل عليها سوى في الأيام الأولى للإعلان عن الفوز بها.. ثم ينتهي كل شيء وتدور عجلة الحياة.. وعموما الجوائز لا تصنع أديباً".(غازي، 2015م، 83).

ثانياً: تناغم الصورة التشبيهية مع الحال الموصوف في رواية بندر شاه (ضو البيت):

بندر شاه هي سلسلة روائية اختار لها الطيب صالح -على حد تعبيره- هذا المسمى لأنه حسبما يرى أن مشكلتنا تتجسد في البحث عن المدينة (بندر) و إيجاد صيغة ملائمة لحكم أنفسنا، السلطان (شاه)، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التقصي والافتراض في بندر شاه يفيد أن الماضي والمستقبل في تآمر مستمر ضد الحاضر، أو أن الجد والحفيد في تآمر مستمر ضد الأب. غير أن الطيب صالح لم يُخرِج من هذه الرواية غير جزئين اثنين فقط هما "ضو البيت ومريود"، وضو البيت هو الجزء المعني بهذه الدراسة.

تناثرت الصور التشبيهية في رواية (بندر شاه/ ضو البيت) ابتداء من مشهدها الأول، يقول الكاتب واصفاً حال محجوب وقد لزمه الكِبر "كان محجوب مثل نمر هرم، جالساً على عصاه القديمة رغم السنين والعلة، متلفحاً ثوبه، عمقت الأخاديد التي على خديه عند الفم...لم يعد في العينين إلا الغضب"(صالح، ب ت، 9). ولا شك أن صورة محجوب النمر الذي كان مسيطرا على زعامة (ود حامد).تناسب حاله تماما وقد بدأ سلطانه يتقلص وحقبته تنطوي، الأمر الذي يهيء ببوادار صراع بين التيار التقليدي في البلد ويمثله محجوب وتيار جديد يمثله فئة الشباب المتحمس للحياة والتغيير.

كان محجوب على هذه الهيئة –كما صوره الكاتب-يجلس عند دكان سعيد والليل يزحف حثيثا على بلدة ود حامد."والليل يجمع أطرافه ويتكثف ويمحو معالم البلد، محوك كتابة بالطباشيرة على سبورة".(صالح، ب ت، 11). فكما يتلاشى بياض الطباشير من السبورة حتى تعد سوداء دامسة.. كذلك يمحو الليل الضياء شيئا فشيئا حتى لم يعد غير الظلام الكثيف وهو يغطي بستاره الغليظة معالم الأشياء في بلدة ود حامد. وهي صورة لم يأت بها الكاتب عبثا لكنه بطريقة أو بأخرى أراد أن يهيء القارئ لاستقبال حدث عظيم وهو الحدث الذي تدور حوله الرواية، يقول الراوي"إنني الآن ورغم بعد الشقة لا أستطيع أن أتذكر ذلك الضحى إلا وتنتابني قشعريرة. إذاً ما الذي حدث في ذاك الضحى؟ وهنا يأتي دور الصورة لتنقل لك مشاعره إيزاء ذاك الحدث الذي كثَّف حوله هالة من الوصف ليرسم من خلاله حبكة الرواية: "كانت البلد كأن طائراً رهيباً اقتلعها من جذورها... ودار بها ثم ألقاها من شاهق".(صالح، ب ت، 27-28).كنت كشخص في قبضة كابوس مليئ بالصراخ والحركة، وهو مشلول في وسطه لا يملك أن يتقدم أو يتأخر...".(ص، 28).والناس يجرون هنا وهناك يبحثون عن شيء ، يبحثون عن المصدر وليس ثمة مصدر.. "الصور كلها كنثار الغبار، ما تكاد تستقر في العقل حتى تتفتت".(ص، 28). ويدعم تلك الصور بصورة أخرى تصف الحال رأي العيان وتجعل المعني سهل الوصول إليه من أقرب طريق، يقول "كنا مثل سرب عظيم من طيور مذعورة، تفترق وتلتقي وتعلو وتهبط، وتدور بعضها حول بعض، محدثة صراخا منكرا يصم الآذان".(ص، 29).

 ولك أن تتخيل هذا الحال الذي وصفه الكاتب بعناية فائقة وألبسه هذه الحلة من التشبيهات فإذا هو يبدو ماثلا يشد النفوس إلى مطالعته فلا تقوى على مقاومة الاستطلاع الذي ينتبابها لمعرفة ما حدث. فما الذي حلَّ بالبلد حتى ذُعر له الناس؟ ورغم أن تلك الصور لم تبن ماهية ما حدث بقدر ما وصفت مشاعر الناس حياله، لكنها بطريقة غير مباشرة تشير إلى اختلال نظام الحياة وتسارع وتيرتها في ود حامد وانجرافها إلى تغيير ربما يعصف بالقيم والجذور الثابتة، وهو الأمر الذي يخشاه الكاتب أن يحدث ضربة لازب، ويكون ضرره أكثر من نفعه... يقول "ثم وقعت في البلد تلك الواقعة التي لا يحيط بها وصف... فجأة اختل ذلك التناسق في الكون. فإذا نحن بين عشية وضحاها لا ندري من نحن وما هو وضعنا في الزمان والمكان، وقد خُيِّل إلينا يومها أن ما وقع قد وقع فجأة، ثم تكشف لنا رويدا رويدا...أن ما حدث كان مثل سقف البيت حين يسقط لا يكون قد سقط فجأة ولكن يظل يسقط منذ أن يوضع في محله أول مرة..." (ص، 22).

ولعل ما في الصورة التشبيهية الأخيرة -وهي تصف حال انتقالهم من حال إلى حال- ظلالاً من المعنى الذي أراده الكاتب والمتمثل في الخوف من ذهاب تلك الصورة الجميلة لطبيعة الحياة كما كانت عليه قبل أن يعتريها التغيير، وهو الأمر الذي جعلهم يشعرون أن الانتقال حدث فجأة، لا متمرحلاً كما هو في حال السقف،مما حدا بالكاتب أن يقول على لسان قومه وهو يقاومون هذا الجديد الحادث "إننا جربنا شتى سبل المقاومة. قلنا إنما حدث شيء قائم بذاته، لا صلة له بما كان وما سيكون، ظاهرة شاذة منعزلة كأن تلد العنز عجلا، أو تثمر النخلة برتقالا".(ص، 22-23).ولم يشبه الكاتب ماحدث بتلك الصورة الشاذة (كأن تلد العنز عجلاً –وهو مستحيل- وكذلك أن تثمر النخلة برتقالاً)، إلا ليعبر عن الصدام الذي نتج عن التغيير وما تبعه من صدمة الناس.

وفي جانب آخر تتماهى بعض التشبيهات و تساعد بطريقة غير مباشرة على سبب تسمية "بندر شاه" وهو ما جاء في معرض حديث الكاتب عن عيسى ود ضو البيت الذي خرج على أقرانه ذات يوم في لباس كأنه لباس العيد ولم يكن الوقت عيداً، فأول ما رآه حمد ود حليمة صرخ فيه "بندر شاه" وردد من معه الاسم ومنذ ذلك اليوم أصبحوا لا ينادونه بغيره... وعندها قال حمد ود حليمة" مسألة الأسماء عجيبة، بعض الناس أسماؤهم تناسبهم تماما الخالق الناطق. عندك حسن تمساح، والله لينا، وبخيت أبو البنات... كل واحد منهم اسمه لابس عليه زي غمد السكين، وتجدهم جميعا ملاعين أجارك الله من شرهم". (ص، 40-41).

ومن ثم ينتقل الكاتب بالصور إلى مصاعد الحبكة فيقول الراوي "محيميد"، واصفاً حاله مع جماعة محجوب وهم في دكان سعيد "واتسعت هوة الصمت حتى امتلأت بكل تلك الأفكار، وقال سعيد: الطريفي ولد بكري عاوز يعمل بندر شاه" وهنا تواتي الكاتب الفرصة ليصنع عبر الصورة التشبيهية رمزا هلاميا حول اسم بندر شاه إمعانا في إيصال فكرته: "صعد محيميد بخياله مع الاسم الرهيب وهو يكبر كمارد جن وسط ذلك الظلام، وكنخلة عملاقة لا أول لها ولا آخر، ... اسم تحيط به كآبة ليست بنت يومها"(ص، 49-50). وهكذا تبدأ بوضوح فكرة الكاتب وهو يعالج الصراع الذي نشب في ود حامد بين القديم والجديد، ويشير إليه في قوله "كأنما أهل البلد قد استيقظوا بغتة من حلم قديم، أو كأنهم استسلموا لحلم جديد. بدأ الناس ينظرون بعيون جديدة فيها عواطف شتى" (ص، 51).وهو ما يفسر ضمنا الصراع القائم بين محجوب الزعيم القديم لود حامد والطريفي "بندر شاه" ود حامد أو زعيمها الجديد، وبين هذا وذاك يقف محيميد في منطقة وسط ويبدو حاله معقد جدا إيزاء ما يحدث، فها هو قد عاد إلى أهله ليجد ثمة تغيير غير مألوف وأن البلد تكاد تخرج من عهد إلى عهد جديد، وهو من جانب قد درس في لندن وعمل هناك ورأى التقدم الحضاري ولا بد أنه مع ركب التطور والتقدم، ومن جانب آخر وللظروف التي تحيط بأهله وطبيعة تكوينهم الاجتماعي المحافظ يريد أن يحدث التغيير رويدا رويدا دون أن يمس القيم والمبادئ التي تحافظ على نسيج قومه، ويرعبه أكثر أن الشباب المتحمس للتغيير يريد أن يحدثه دفعة واحدة دون مراعاة للتدرج الذي ينشده هو.. يقول "فكر محيميد وهو يجرجر الخطو نحو داره أواخر الليل، إنه يعرف مغزى تلك القصة، لأنه قد رآها تحدث من قبل... ولعله كان طرفا من أطرافها... ود حامد التي حملها في خياله كل هذه الأعوام وعاد الآن يبحث عنها مثل جندي في جيش منهزم، لم يعد لها وجود" (ص، 54-55).وقوله كذلك " كانت ساقاه تحسان وطأة السنين الخمسين أو الستين ولكن خياله كان كخيال طفل دون العاشرة. الليل البهيم وشجيرات السيال الجاثمات كنسوة في مأتم..." كل ذلك بدأ يمحو آثاره الزمن.. نعم فعودة الراوي تفسر مغزى القصة، فقد عاد مثل جندي منهزم لأن أسباب القوة التي تمثله في طريقها للزوال ولم يعد لها وجود سوى في خياله المتمثل في ذاكرة الطفولة، ود حامد التي يبحث عنها وما تحمله من قيم ومعانٍ عميقة في نفسه هي التي يراها في قول عمه محمودإلى الرجل الغريب الذي ألقاه البحر إليهم غريبا لا أهل له ولا مبدأ ولا منشأ، شيئا قائما بذاته لا أصل ولا جذور..قال محمود "يا عبد الله ، نحن كما ترى نعيش تحت ستر المهيمن الديان. حياتنا كد وشظف... القليل الــ عندنا عملنا بسواعدنا ما تعدينا على حقوق إنسان... ناس سلام وقت السلام، وناس غضب وقت الغضب. الــ ما يعرفنا يظن أننا ضعاف إذا نفخنا الهواء يرمينا، لكننا في الحقيقة مثل شجر الحراز النابت في الحقول، وأنت يا عبد الله جيتنا من حيث لا ندري، كقضاء الله وقدره ألقاك الموج على أبوابنا... ونحن قبلناك زي ما نقبل الحر والبرد والموت والحياة... إذا كنت خير تجد عندنا كل خير، وإذا كنت شر فالله حسبنا ونعم الوكيل".(ص، 124).

 فما أجمل كلام محمود وهو لا شك يمثل الصورة الجميلة التي يدافع عنها الكاتب ولا يريد أن يغمرها التيار الجديد في ود حامد. وقد وفق الكاتب في نقلها عبر تلك التشبهات، فما أنسب أن يشبه ثباتهم وجلدهم بشجر الحراز، وما أنسب أن يشبه ظهور الرجل الغريب عليهم فجأة كقضاء الله وقدره، وما ألطف المعنى الذي أوحت به الصورة عندما شبهت قبولهم للغريب كما يقبلون الحر والبرد والموت والحياة. وهنا لا شك تكمن مأسة الكاتب أوالراوي، الذي عاد إلى أهله بعد سنين طويلة وأصبح حاله كمن يبحث عن فردوس مفقود! ولندع الصورة التشبيهية تصف لنا حاله في تناغم فريد " ثم أحسست كأنني أسير في الهواء، سابحا دون مشقة، والأعوام تنحسر عن كاهلي كما يتخفف المرء من ثيابه".(ص، 56).

وفي جانب آخر من الرواية فقد عرضت الصور التشبيهيهة لجانب من جوانب التغيير الذي حدث ولكن في أسلوب طريف، يقول الراوي(محيميد) وقد سمع صوت الآذان "انتبهت فجأة لصوت المؤذن (حي على الصلاة) كان صوتا ضعيفا أخرقا فاقد الرنين. سألت عنه فقال محجوب ساخرا ( سعيد عشا البايْتات)قلت : سعيد البوم أصبح سعيد عشا البايتات؟ ضحك محجوب وقال سعيد القانوني " يا زول أنت عاوز حصة طويلة على شانْ نفهمك النظام الجديد في البلد". (ص 11-12). ولكن الآذان قد كان له وقع وتأثير عجيب على نفس محيميد الراوي، يقول: وهو الذي لم يصلِ الفجر حاضرا مع الجماعة منذ ثلاثين عاماً "كان صوت سعيد البوم كما سمعه محميد في تلك الساعة، وهو بين النائم واليقظان، كأنه مغناطيس قد علق به غبار الأحلام الموؤودة، فاتخذ أعماقا وأبعادا ليست له" (ص، 60). فمشى نحو الجامع كما كان يمشي جده، كأن النداء في ذلك الفجر عناه هو دون غيره، كأن ثمة دين لا بد من قضائه. هذا حال محيميد ومشاعره إيزاء الآذان، أما طريقة الآذان كما كان يؤديه (سعيد البوم) الذي أصبح فيما بعد (سعيد عشا البايتات)، فأبدع ما جاء وصفه المضحك في هذه الصورة، وهو تشبيه يتلائم تماما مع عشا الباتات "كان عشا البايتات قد وصل في آذانه إلى (حي على الفلاح) فمضى يعاظلها متعسرا كسيارة شحن غطست في الرمل. يخترع حروف مد ليست موجودة، ويغض الطرف عن الموجود منها".(ص، 49).

هذا وقد مسحت التشبيهات في الرواية ذلك الحوار الذي دار بين الطريفي ود بكري (زعيم ود حامد الجديد) ومحيميد (الراوي) و قد جاء الطريفي يسعى لضم محيميد لمعسكره، غير أن محيميد ذكره بأنه هو (وبندر شاه) كانا يمسكان بخيوط الفوضى وسطها وفوقها، فوجم الطريفي وقد أغرقته الحيرة في كلام محيميد حتى ارتآه وقتها كأنه طلسم.. وهنا يأتي دور الصورة التشبيهية الواصفة لحال الطريفي على لسان محيميد "صمتنا صمتا طويلاً، وكانت صفحة وجهه مثل سماء يتجمع سحابها ويتفرق ثم يتكون من جديد، وقلت انتشله فقلت له : الآن أجيبك... إن وضعى كما ترى معقد".(ص، 109).

وهذا الأمر المعقد الذي يعيشه الكاتب أو الراوي قد فسره في إحدى لقاءاته بقوله:" إننا نعيش في عالم متغير دوماً، وفي تشبثنا بالحضارة (المدنية الغربية) نستفيد كثيرا ولكن تضيع منِّا أشياء كثيرة وجميلة، نحن بالطبع نريد الأشياء المادية التي تتيحها الحضارة الغربية ولكننا أحيانا ندفع ثمنا أغلى مما يجب.( حسن أبَّشر، 2001م، ص 185).

وتتضافر الصور التشبيهية أكثر في ختام الرواية عندما تنقل لنا حدث زواج ضو البيت ذلك الرجل الغريب، فتصف حال الناس وقد توافدوا من قبلي وبحري، من السافل ومن الصعيد لحضور العُرس، فها هم " يجيئون مشتتين مثل رذاذ الغيث ثم ما يلبثون أن يتكاثفوا ويتلاحموا في خضم عظيم يجيش ويزخر بحياة جديدة أرحب، وكان ضو البيت هو قطب الرحى" (ص، 134)." وبين الحين والحين تجيء كوكبة منهم يتسابقون على الحمير في عثار وغبار فكأنهم إعصار نفثته الصحراء لا يموت... يجيئون مثل حبات القمح في كوم القمح، كل حبة قائمة بذاتها وكل حبة تنطوي على سر عظيم". (ص، 135).

ولا يخفى على أحد التناغم بين طرفي التشبيه وتنسابهما مع الحال الموصوف، فما أبدع أن يصور الكاتب مجيء الناس متفرقين في بساطة وقلة، حتى إذا اجتمعوا كانوا خضما عظيماً، وما أعمقه من معنى أن يشبههم بحبات القمح، كل حبة قائمة بذاتها، ولكنها تنطوي على سر عظيم، فكذلك حال الناس، لهم شكل واحد، ولكن دواخلهم تنطوي على ما يميز بعضهم عن بعض. وهكذا استطاع الكاتب عبر تلك الصور التشبيهية أن يحشد العديد من المعاني التي ألقت بظلالها الكثيفة على مجرى الأحداث وصولاً للنهاية التي جاءت عبر غرق ضو البيت وذهابه كأن لم يكن ، كأنه حلم، ومن ثم حزن القوم عليه حزنا لا يخففه إلا ابنه عيسى الذي ولد بعد موته بثلاثة أشهر. قال عبد الخالق ود حمد "كنت أنا وعمي محمود وحسب الرسول وضو البيت على الشاطئ نفك حطب الساقية....كنا نحن الثلاثة تحت (وضو البيت) فوق على حجرة القيف، بغتة أنهار ما تحتنا وصرنا في عرض النهر نصارع الموج" وهنا تأتي الصورة التشبيهية لتنقل هذا الحدث وتصوره تصويرا درامياً يشعرك بالمأساة ووقوع الكارثة " كان عمي محمود يلف ويدور في الماء كالتمساح المسعور يحاول أن يجد ثغرة في خضم الماء لينفذ إلى حسب الرسول...ونحن على تلك الحال رأيت ضو البيت يضرب في اليم متجها صوبنا... وأنا أغطس وأطفو والموج يصفعني في وجهي كقضاء الله وقدره.... وسمعت عمي محمود ينادي ضو البيت، وحسب الرسول يجري وينظر في وجوه الناس وينادي ضو البيت ضو البيت... هاج الناس وماجوا ونادى الناس من مكان إلى مكان ومن شاطئ إلى شاطئ إلى أن صارت الدنيا كلها تنادي في جوف الظلام "ضو البيت"... ولكن ضو البيت اختفى لا خبر ولا أثر ذهب من حيث أتى، من الماء وإلى الماء". (ص، 141-142). وكان حزنهم عليه " حزنَّا عليه لأنه عاش بيننا مثل الطيف ومضى مثل الحلم". (ص، 143).

ولك أن تنظر وتتمعن التشبيهات التي تواترت عاليه، فمحمود يدور في الماء كالتمساح المسعور، والماء يصفع أحدهم كقضاء الله وقدره، وضو البيت عاش مثل الطيف ومضى مثل الحلم... ألا ترى أن تلك الصور قد حولت المعاني إلى حدث حي، ومشهد درامي تشاهده رأي العين، فينقبض قلبك للخطر الذي داهم ثلاثتهم، وتشاركهم حزنهم على ضو البيت؟ بلى، وأكثر.

الخاتمة:

 بعد هذا التجوال والتطواف مع رواية "بندر شاه/ ضو البت" استجلاءً للصورة التشبيهية فيها، ودراسة تناغمها مع الحال الموصوف بها، خرجت الدراسة بنتائج عديدة، منها:

1/ براعة الكاتب في تفصيل الصور التشبيهية على الحال الموصوف تفصيلاً جعل المعاني واضحة وزاهية، وأضاف لها أبعادا ومرامي عميقة.

2/ قدرة الكاتب الباهرة في انتزاعه للصور التشبيهية من البيئة، دون تكلف أو عناء.

3/ استطاع الكاتب من خلال إجادته للصورة التشبيهية أن يحبك عقدة النص، وأن يشوِّق القارئ لمتابعة القصة إلى نهايتها.

4/ أوحت الصورة التشبيهية بالكثير من المعاني التي تعبر عن مخاوف الكاتب من اختلال نظام الحياة وتسارع وتيرتها في (ود حامد) وانجرافها إلى تغيير ربما يعصف بالقيم والجذور الثابتة، وهو الأمر الذي يخشاه الكاتب أن يحدث دفعة واحدة.

5/ استطاع الكاتب أن يوظف الصورة التشبيهية في معالجتهللصراع بين الجديد والقديم، فجاءت المشبهات التي تعبر عن القيم والخصال الكريمة في أبهى ما يكون، وجاءت المشبهات التي تعبر عن الخصال السيئة الحادثة، في أقبح ما يكون من صور التشبيه، وذلك حتى ينفر الناس عن كل ما يعصف بالقيم ويهدد تماسك ووحدة أهل البلد.

6/ جاءت الصور التشبيهية في أغلبها حسية، لا سيما في جانب المشبه به.

7/ لعبت الصور التشبيهية دورا كبيرا في تحويل شخصية "ضو البيت" إلى أسطورة ورمز عبر من خلاله الكاتب عمَّا يريد.

المصادر والمراجع:

1/الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر)، الحيوان ، تحقيق/ عبد السلام محمد هارون،( 1965م)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.

2/حسن أبشر الطيب وآخر، بعد الرحيل (في تذكر المريود)،( 2009م) مركز عبد الكريم مرغني، أم درمان.

3/حسن أبشر الطيب (2001م) ، الطيب صالح دراسات نقدية، رياض الريس للكتب.

4/ الحسن (عثمان محمد)، (2002م) الطيب صالح (الرجل وفكره)، مطبعة أكاديمية العلوم الطبية، الخرطوم.

5/ دشو (عبد الحميد) ، (2018م) معجم الأدباء العرب في الرواية والشعر والأدب، منبج.

6/ صالح (الطيب محمد)، ( ب ت)، رواية بندر شاه (ضو البيت)، دار الجيل، بيروت.

7/ العقاد (عباس محمود) ،(1995م) اللغة الشاعرة ، نهضة مصر، القاهرة.

8/ غازي (خالد محمد) ، (2015م) الطيب صالح سيرة وشهادات من محطات العمر، وكالة الصحافة العربية، الجيزة- مصر.



Published in: Sprin Journal of Arabic-English Studies
ISSN: 2583-2859 (online)
Unique link: https://ae.sprinpub.com/sjaes/article/view/sjaes-1-2-2-58-65