2Department of Arabic, Faculty of Arts and Culture, Eastern University, Sri Lanka
قسم اللغة العربية، كلية الآداب والثقافة، جامعة الشرق، سريلانكا
DOI:10.55559/sjaes.v1i04.19 | Received: 20.10.2022 | Accepted: 25.10.2022 | Published: 27.10.2022
ABSTRACT
Critics are interested in the study that reveals the prosodic features of poetry, since the structure of Arabic poetry is completely dependent on ʿarūḍ and qawāfī, and the poetic skill differs from one poet to another based on the use of rhythmic dimensions resulting from poetic meters. Against this background, this article explores Ahmed Shawqi’s poem "Gandhi is the hero of India". It further aims at discovering artistic dimensions that shed light on the most prominent characteristics of the external rhythm. The research follows the analytical method as the data interpretation methodology, that explains the poetic verses following the principles of the science of ʿarūḍ. Beside analytical method, the study employs the artistic method that detects ʿarūḍ and qawāfī aspects in the poems. The study found that the poet composed the poem on Baḥr al hazj, while he often used the ziḥāf al kaf, He remarkably resorted to the Tadwīr, and the Taqsīm ʿaḍūḍī, which has a great impact on the musical and semantic richness. Similarly, the poet's reliance on al qāfiyah al muṭlaqah al mutawātirah was evident in the composition of the poem, in which the letter of rawī (Dāl) emerged among two consonants, performing its rhythmic function, and matching the nature of the poetic text.
Keywords: Ahmed Shawqi, Gandhi,ʿarūḍ, qawāfī
Electronic reference (Cite this article): Mohammed Shareef, M. H., & Sulaimalebbe, M. N. (2022). The Prosodic Features in the poem "Gandhi is the Indian Hero" by Ahmed Shawqi: An Analytical Artistic Study. Sprin Journal of Arabic-English Studies, 1(04), 28–40. https://doi.org/10.55559/sjaes.v1i04.19 Copyright Notice: © 2022 The Author(s). This is an open access article published by Sprin Publisher under the Creative Commons’ Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) licence. https://creativecommons.org/licenses/by/4.0/ |
الملخص:
يهتم النقاد في أبحاثهم الأدبية بالمسائل المتعلقة بتبيان السمات العروضية، ذلك أن بنية الشعر العمودي العربي معتمدة كل الاعتماد على العروض والقوافي، كما أن البراعة الشعرية تختلف من شاعر لآخر على حسب استثمار الأبعاد الإيقاعية للبحور الشعرية، تهدف هذه المقالة إلى تحليل قصيدة أحمد شوقي "غاندي بطل الهند"، من وجهة فنية تبين خصائص الإيقاع الخارجي، وبالأخص، العروض والقوافي، وفق مبادئ علم العروض. وفي الوقت نفسه تستعرض السمات الفنية السمات الكامنة في توظيف البحر الشعري وبناء القافية. أهم نتائج هذه الدراسة هي: أن الشاعر بنى القصيدة على بحر الهزج، إضافة إلى أنه كثيرا استخدم زحاف الكف، اعتمد على تقنية التدوير، والتقسيم الذي يتساوق فيه التقطيع العروضي تساوقا له أثر بالغ في السمات الموسيقية والدلالية، وكذلك ظهر اعتماد الشاعر في تأليف القصيدة على القافية المطلقة المتواترة التي برز فيها حرف الروي الدال لامعا بين ساكنين، ما أدى وظيفته الصوتية وتماشى مع طبيعة النصوص الشعرية في القصيدة.
الكلمات المفتاحية: أحمد شوقي، غاندي؛ العروض؛ القافية
وُلِد الشاعر أحمد شوقي سنة 1868م بالقاهرة، وتجتمع فيه أصول مختلفة: كردية وعربية وتركية ويونانية. وكانت أسرة شوقي على صلة وثيقة بقصر الخديوي، مما جعل الشاعر يعيش في رغد منذ صغره، إذ قامت جدته التي كانت تعمل وصيفة في القصر بتربيته (ضيف، 1982، ص9). وفي الرابعة من عمره، دخل الشاعر إلى كتّاب الشيخ صالح، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية ثم إلى المدرسة الثانوية حيث أكملها عام 1885م حين بلغ الخامسة عشرة عاما، وظهرت موهبته الشعرية أيام دراسته في المدرسة الثانوية، فقد بدأ ينظم الأشعار حينذاك، ثم أتم دراسة الحقوق بمدرسة الحقوق عام 1889م(وادي، 1985، ص8). وفي أثناء ذلك، كان يدرس عند الشيخ الحنفي ناصف وحسين المرصفي، ما جعل الشاعر يتخرج من مدرسة الحقوق وقد وعى بالتراث الأدبي القديم (ضيف، 1982، ص12).
تمثلت حياة شوقي في ثلاث مراحل، حيث ارتبطت المرحلة الأولى بالخديوي وبقصره، فلما أكمل دراسته في القانون أصبح شاعر الخديوي توفيق يرفع صوته بفضائله، ثم سافر إلى فرنسا في البعثة العلمية التي أرسلها الخديوي توفيق، وعندما عاد من فرنسا عمل في صحبة الخديوي عباس، ينوب عنه في المؤتمرات الدولية العالمية، فقد مثّل في مؤتمر جنيف للمستشرقين في سنة 1893م (وادي، 1985، ص11). وأما ما يخص الشعب المصري ومشاكله، فقد تبنى رؤية الخديوي، مما أدى هذا الموقف إلى ضعف في إنتاجاته الشعرية (محمد حفيز، 2022، ص85)، وقد أكّد أحد الباحثين بقوله: "إن شعره الوطني في شيخوخته كان أقوى منه في شبابه" (الرافعي، 1988، ص17). ومن أبرز أشعاره الوطنية في هذه المرحلة قصيدة "كبار الحوادث في وادي النيل" (شوقي، 1988 ج1، ص17)، التي ألقاها في مؤتمر جنيف عام 1893م، حيث استذكر فيها التاريخ المصري العريق منذ أيام الفراعنة إلى عصر محمد علي، ومن ضمنها القصيدة "وداع اللورد كرومر" (شوقي، 1988، ج1، ص173)، التي أبرز فيها غضبه الساخط على الاستعمار الإنجليزي ومساوئه.
أما المرحلة الثانية فهي متمثلة في إقامته بالأندلس، حيث نفاه إليها الإنجليز لخوفهم من تأثير قصائده على نفوس الشعب المصري، فمكث هناك خمسة أعوام ما بين 1915م- 1920م (ضيف، 1982، ص31). وكانت أشعاره في هذه الفترة تدور حول حنينه إلى مصر والتشوق إليه كما نلاحظ في القصيدة التي قام فيها الشاعر بمعارضة "سينية البحتري" (شوقي، 1988، ج2، ص45)، كما كان يعارض القصيدة النونية لابن زيدون حيث تناول فيها حنينه وشوقه إلى موطنه (شوقي، 1988، ج2، ص104).
وأما المرحلة الأخيرة فقد بدأت سنة 1920م منذ عودته من منفاه إلى وفاته في اليوم الرابع عشر من شهر أكتوبر عام 1932م. وفي هذه المرحلة، ظلّ الشاعر يقترب من المصريين والشعوب العربية؛ حيث شارك الشعب السوري في ثورتهم الوطنية ونظم فيها قصيدة خالدة رائعة، وطفقت شهرته في مصر وفي البلاد العربية، حتى صار صاحبَ لقب "أمير الشعراء" سنة 1927م (ضيف، 1982، ص37)، حيث يرى البعض أن لقب شوقي بـ"شاعر العربية الأكبر" أصلح من لقب "أمير الشعراء" (الرافعي، 1988، ص44). وقد أصبح الشاعر في هذه المرحلة شاعراً وطنيا يعالج قضايا الشعب المصري وآمالهم، فصاغ عدة قصائد عالجت موضوعات وطنية مختلفة، ومنها الفخر بالحضارة المصرية، والعناية بتأسيس الدستور والمجلس النيابي، والإشادة بالأبطال الوطنيين، ومقاومة الاستعمار الإنجليزي وغيرها. وقصيدة "غاندي بطل الهند" (شوقي، 1988، ص83) التي نحللها في هذه الدراسة هي من أشهر ما خطه يراعه في مقاومة الاحتلال، التي نظمها سنة 1931 م تحية للزعيم الوطني الهندي غاندي، حيث ذهب الشاعر في القصيدة إلى تغذية الروح الوطني في نفوس الشعب المصري الذي كان يقاوم الاحتلال الإنجليزي.
يعدّ موهندس كرمشاد غاندي (Mohandas Karamchand Gandhi) زعيما وطنيا في حركة الاستقلال بالهند، وهو معروف في أنحاء العالم باسمه "مهاتما" أي صاحب النفس العظيمة، وقد ولد في اليوم الثاني من أكتوبر عام 1869م في بوربندر إحدى البلدات التابعة لمقاطعة غوجرات. ودخل غاندي إلى المدرسة المحلية في راجكوت، وتعلم فيها مبادئ العلوم، ثم واصل دراسته بالمدرسة الثانوية وهو في الثانية عشرة من عمره. فلما بلغ الثلاثة عشر من عمره تزوج غاندي من كاستوربا غاندي، استجابةً للعادات والتقاليد الهندية، وفي سنة 1888م سافر إلى بريطانيا لدراسة القانون، وعاد إلى الهند سنة 1891م، ثم ذهب إلى جنوب إفريقيا في سنة 1893م لكي يعمل عمل محاميا في الشركة "دادا عبد الله وشركائه"، فرجع إلى الهند سنة 1914م بعد ما أمضى هناك 21 عاما (سعد، د.ت، ص12-22).
كانت الفترة ما بين سنة 1914م -1947م تعدّ أبرز مرحلة من حياة غاندي، وهي التي سميت مرحلة النضال للاستقلال والحرية، وقد قام غاندي بعدة من المقاومات ضد الاستعمار الإنجليزي، المعروفةِ بـ"المقاومة السلمية"، وهي التي سميت في سنسكريتية بـ"الساتياجراها" ما تعني قوة الحقيقة (الجزيرة، 2022م). تعدّ مسيرة الملح (Salt March) في عام 1930م من أبرز المقاومات السلمية احتجاجا على ضرائب الملح فرضتها إنجلترا، حيث قطع غاندي ومعه ثمانون فردا مسافة 384 كم مشيا من بلدة سابارماتي أشرم إلى قرية داندي، وكانت المسيرة أكبر تحدٍ للاستعمار، حيث تزايد عدد المشاركين المتطوعين على طول الطريق. ونتيجةً لهذه المسيرة، قد تم اعتقال غاندي في الخامس من شهر مايو 1930م، وهذا مما لفت انتباه الناس في دول العالم إلى الحركة الهندية التي هدفت إلى الاستقلال الوطني، ثم استمرت هذه المقاومة الشعبية لمدة عام تقريبا، وانتهت مع إطلاق سراح الزعيم غاندي من السجن، ومفاوضات مع الحاكم البريطاني اللورد إيروين في مؤتمر المائدة المستديرة ببريطانيا (سعد، د.ت، ص102-107).
وأما القصيدة بعنوان "غاندي بطل الهند" فنظمها أحمد شوقي تحيةً وترحيبا بالزعيم الهندي غاندي حينما مرّ بمصر سنة 1931م، وذلك في أثناء طريقه إلى لندن للمشاركة في مؤتمر المائدة المستديرة، وقد استهل الشاعر القصيدة بهذا المطلع:
بَني مِصرَ اِرفَعوا الغار وَحَــيّــوا بَــطَــلَ الهِـنـدِ
وَأَدّوا واجِـبـاً وَاِقـضـوا حُــقــوقَ العَــلَمِ الفَــردِ
وأما بالنسبة إلى مضمون القصيدة فقد دعا الشاعر في الأبيات الأوائل المصريين إلى أداء التحية للزعيم الوطني الذي عدّه شقيقا لهم في تجربة الاستعمار ومقاومته، ثم تطرق الشاعر إلى الإشادة بشخصية غاندي وفضائله وأيضا إسهاماته الوطنية، من حيث شبهه بالنبي المرسل في الذود عن الحقوق، والإعراض عن الدنيا، وأشاد بمبادراته في إنشاء المودة الألفة والاتحاد بين المسلمين والهنود، ثم بلغ السلام إليه نيابة عن المصريين، ثم انتقل إلى التحدث عن مسيرة الملح وعن إسهامات الزعيم غاندي فيها، ثم عن تجاربه ومعاناته ومأساته في السجن. أخيرا عمد الشاعر إلى تقديم بعض النصائح والوصايا إلى غاندي، لكي يظل حذرا ويقظا في مؤتمر لندن، وثابتا في مقاومته ضد الاستعمار الإنجليزي، ولا يغتر بما يقوله دهاة بريطانيا، حتى يُرجِع الاستقلال التام والحرية إلى الأمة الهندية.
وبعد مسيرة الملح، قام الزعيم غاندي بعدة من المقاومات، والتي كان لها أثر عظيم في حصول الشعب الهندي على الاستقلال التام، حتى وافقت بريطانيا على أساس تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند والباكستان، على حسب اقتراح محمد علي جناح في عام 1947م، وصار التاريخ الخامس عشر من أغسطس يومَ الاستقلال الوطني حيث يحتفل به الشعب الهندي.
تعد الدراسة القائمة على التحليل العروضي الفني من أبرز الدراسات في صفحات النقد الأدبي، ذلك أن الشعر قائم على الموسيقى الخارجية وكذلك الداخلية،[1] إذ إنهما تمتلكان قدرةً إيحائية تؤثر في العواطف والوجدان والمشاعر. وأما الموسيقى الخارجية فهي ما يسمى بالإيقاع الوزني النابع من البحور الشعرية التي أدركها الخليل أحمد الفراهيدي، حيث كشف عن خمسة عشر بحرا، ثم جاء الأخفش الأوسط وأضاف وزناً آخر سماه بالمتدارك (سلطاني، 2010، ص7). فإن القوافي أيضاً معدودة من الموسيقى الوزنية نظرا لأنه يمثل جزءً خاصًا من العروض الذي بني على إحساس واضح بالكم، حيث تبدو بعض العناصر غير الكمية غامضة في الأوزان، بينما نجدها واضحة الوضوح في القافية (البحراوي، 1993، ص86). يعدّ علم العروض علم موسيقى الشعر، إذ الصلة بينهما متمثلة في الجانب الصوتي، من حيث أن الموسيقى يتم تشكيلها بعنصرين: الصوت والزمن، وكذلك الشاعر العربي يوظف كلمات ذات أبعادٍ تتابع تتابعاً زمنيا من خلال حركاتٍ وسكنات في زمن محدد (البحراوي، 1993، ص25). وقد صرح ابن طباطبا (2005، ص21) بذلك العنصر الذي يعدّ أبرز العناصر الإيحائية وأقواها في الشعر:
"وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه ويرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه"
وأما مصطلح القوافي فلغةً هو جمع قافية تعني مؤخر العنق، وقد يراد بها آخر الشيء؛ ومنه قافية البيت لأنها تأتي في آخر الأبيات الشعرية حيث قيل: قَفَاه قَفْوًا وقُفُوًّا إذا تبعه (ابن منظور، 1993، ج9، ص283). وقد عرف العرب القافية وأدركوا حسنها وقبحها، فقد كان للفراهيدي فضل في تحديد القافية حيث جعلها علماً خاصا يتبع لعلمَ العروض (الغرة، 1994، ص127)، كما عرّف بأنها: "مجموعة الحروف التي تبدأ بمتحرك قبل أول ساكنين في البيت" (البحراوي، 1993، ص86).
القافية جزء إيقاعي خارجي متمم للوزن ومساهم في ضبط نهايات الأبيات، وهي بمنزلة الفاصلة الإيقاعية التي يتوقع المتلقي تكرارها في أزمنةٍ معينة منتظمة، وكذلك أنها تمثل النهايةَ التي يذهب الشاعر إليها في إكمال ما أراد تعبيره في البيت، بجانب أنها تُعتبر وقفة موسيقية يرتاح فيها السامع أو القارئ لكي يتذوق بالصور البيانية التي يعرضها الشاعر (الغرة، 1994، ص128). وقد عدّ القرطاجني (2008، ص271) القوافي للبيت بأنها مثل الحوافر للخيل: "اطلبوا الرماح فإنها قرون الخيل وأجيدوا القوافي فإنها حوافر الشعر أي عليها جريانه واطراده، فإن صحت استقامت جريته وحسنت مواقفه ونهاياته". وللقافية حروف ستة: حرف الروي الذي يعد أبرز الحروف لأن القصيدة تبنى عليه، ويسبقه حروف ثلاثة: الردف والدخيل وألف التأسيس، كما يتبعه الحرفان: الوصل والخروج.[2]
تتبين مما سبق أهمية الإيقاع الخارجي الذي يلعب أبرز دور في الكشف عن عواطف الشاعر إضافة إلى وظيفته الموسيقية التي تحرك وتستميل نفوس السامعين المتلقين. لذلك تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن الخصائص الموسيقية الخارجية الوزنية في القصيدة التي نظمها أحمد شوقي بعنوان "غاندي بطل الهند"، وذلك على مستويين: الإيقاع العروضي ما ينبع من الوزن الشعري، وكذلك الإيقاع الذي تنتجه القوافي.
لقد نظم الشاعر أحمد شوقي قصيدته "غاندي بطل الهند" على بحر الهزج المجزوء، الذي يُعدّ أحدَ البحور في دائرة المجتلب، ولم يستعمله العرب إلا مجزوءً، حيث يعتمد على تكرار تفعيلة (مفاعيلن) أربع مرات في البيت الشعري. وينقسم الهزج إلى ضربين: صحيح هو أن يأتي الضرب فيه على مقياس (مفاعيلن)، ومحذوف هو ما جاء فيه الضرب على مقياس (مفاعلْ أو مفاعي أو فعولن) حيث حُذف فيه السبب الأخير من أصل التفعيلة، وتكون العروض في كلا الضربين صحيحة (عتيق، 1987، ص67). وأما شاعرنا أحمد شوقي صاغ أربع قصائد على بجر الهزج (الطرابلسي، 1981، ص24)، ومن ضمنها قصيدته بعنوان "غاندي بطل الهند"، والتي نظمها على النوع الصحيح منه، حيث يقيم العروض وضربها على مقياس (مفاعيلن)، وأحيانا يدخل زحاف الكف الذي يتم فيه حذف السابع في عروض بعض الأبيات، كما في التقطيع العروضي الآتي:
بَني مِصرَ اِرفَعوا الغار وَحَــيّــوا بَــطَــــــــــــــــلَ الهِـنـدِ
بنيْ مِصْرَ رْ فَعُلْ غارَ وحَيْيُوْ بَـ طَلَلْ هِنْدِي
//0/0/0 //0/0/ //0/0/ //0/0/0
مفاعيلن مفاعيل مفــــــــاعيل مفاعيلن
وَأَدّوا واجِــــــــــــبـاً وَاِقـضـوا حُــقـــــــــــــوقَ العَــلَمِ الفَــردِ
وأَدْدُوْ وَا جِبَنْ وَقْضُوْ حُقُوْقَلْ عَ لَمِلْ فَرْدِيْ
//0/0/0 //0/0/0 //0/0/ //0/0/0
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل مفاعيلن
وقد رأى بعض من الدراسين بحر الهزج ضربا من الوافر المجزوء،[3] ليس ببحر قائم بذاته لما بينهما من وجود شبه في تفعيلاتهما (الطيب، 1989، ص134)، لكن أكثر أصحاب العروض عالجوا هذا الوزن علاجا مستقلا حيث فرقوا بين وبين مجزوء الوافر، لأن التفعيلة (مفاعيلن) في الهزج أصلية وفي الوافر عارضة – وقد تصبح التفعيلة (مفاعلَتن) ساكن الخامس فتصير (مفاعلْتن أو مفاعيلن) - إلا إذا وجدت تفعيلة واحدة على شكل (مفاعلَتن) فيتعين إذ ذاك حملها على الوافر (خلوصي، 1977، ص89). وبالنسبة إلى القصيدة فهي مبنية على بحز الهزج الخالص لما أن التفاعيل كلها وردت على مقياس (مفاعيلن) بما فيه من زحاف الكف.
وقد ربط النقاد بين الوزن الشعري من جانب وكل من العاطفة والموضوع من جانب آخر مع أن هذا لا يعني تلازما مطردا عند كل الشعراء. وبناء على هذا، ذكر عبد الله الطيب (1989 ص137) أن نغمة الهزج تقتضي قولا مرسلا طيعا تسيطر عليه فكرة واحدة يتغنى بها الشاعر، كما أنه يصلح للقصص الخفيفة، وأحسن أسلوب يرد فيه ما كان عماده على التعجب. وقال إبراهيم أنيس (1952، ص109) إنه كان قليل الاستعمال عند الشعراء الجاهليين، وزاد النظم منه مع العباسيين في عصور الغناء، ثم استحسنه المعاصرون في المسرحيات. واعتمادا على هذه الخصائص الإيقاعية لبحر الهزج، نرى الشاعر موفّقا في بناء القصيدة على هذا البحر، بسبب كون القصيدة عبارة عن نشيد ترحيبي ألقاها الشاعر بمناسبة نزول الزعيم الوطني مهاتما غاندي بمصر في طريقه إلى لندن، وهذا راجع كما أوضحنا إلى أن بحر الهزج أطوع للتلحين والإنشاد لما فيه سمة ترنمية، وقد قيل إن الهزج في الأصل نوع من الغناء كانت العرب تتغني، ومن هنا جاءت التسمية بهذا الاسم (السوسنة، 2022)
ويتضح من التحليل أيضا أن الشاعر لعله اختار هذا البحر في بناء هذه القصيدة لما يتميز بقدر من الوضوح السمعي ما يسهل الالتقاط، وقد قام البحراوي (2006، ص36) بترتيب أوزان الشعر العربي على مجموعات أربعة حسب الإيقاع الناتج عن تفاعيلها، حيث جعل الكامل والرجز والبسيط والمتدارك أعلى البحور إيقاعًا، ثم الطويل والوافر والهزج ولمتقارب على المرتبة الثانية، ثم أعطى للمديد والرمل أدنى درجات الصعود في الإيقاع، كما نسب المنسرح والسريع والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث إلى الإيقاع النازل الهابط، وكذلك ربط صفة صعود الإيقاع بوضوحه في السمع، كما أرجع صفةَ الهبوط إلى صفة الاختلاط وعدم الوضوح.
وفيما يخص الزحافات التي تأتي في بحر الهزج زحافُ الكف هو ما يتم فيه حذف السابع من تفعيلة (مفاعيلن) فتصير إلى (مفاعيل)، وأيضا زحاف القبض الذي يقتضي حذف السابع من التفعيلة لكي تصير إلى (مفاعلن). يرى خلوصي (1977، ص120) زحاف القبض في الهزج قبيحا، بينما يعتقد أن زحاف الكف فيه حسن سائغ، وكان اعتماد الشاعر في القصيدة على الأخير فقط حيث استخدمه بكثرة في القصيدة حيث لم يخل من هذا الزحاف إلا أبيات قليلة كما في التقطيع العروضي الآتي، ولعل السبب يرجع في ذلك إلى أن الشاعر أراد أن يسرع في القصيدة حسب ما تقتضيه طبيعة القصيدة التي عمد فيها إلى الإشادة بالزعيم ورفع الصوت بمحامده، لأن الهزج من حيث تأليفه المقطعي أميل إلى البطء، والزحافات المزيدة لنسبة المتحركات تقوده إلى السرعة (البحراوي، 2006، ص15).
قَـــــــــــريـبُ القَـولِ وَالفِـعـلِ مِـنَ المُـنـتَـــــــــــــــــــظَـرِ المَهـدي
قَرِيْبُلْ قَوْ لِ وَلْفِعْلِيْ مِنَلْ مُنْتَ ظَرِلْ مَهْدِيْ
//0/0/0 //0/0/0 //0/0/ //0/0/0
مفاعيــــلن مفاعيــــلــــــن مفاعيــــل مفاعيـــلن
ولاحِظْ وَرَقِ السَيـْــــــــــــــرِ ومـــــــــا في وَرَقِ اللـــــــــــــورد
وَلَاحِظْ وَ رَقِسْ سَيْرِيْ وَمَا فِيْ وَ رَقِلْلُورْدِيْ
//0/0/ //0/0/0 //0/0/ //0/0/0
مفاعيل مفاعيلن مفاعيــــل مفاعيــــــــــــلن
ومن أبرز الظواهر الفنية في النص هو تسجيل الشاعر لتقنية التدوير في ثمان أبيات من القصيدة التي تتألف من 39 بيتا. والبيت المدور في اصطلاح النقاد هو ما تحوي مكوناته الداخلية على كلمة مشتركة بين شطري الشعر غير قابلة للتقسيم إنشاديا، وحينئذ تصير صيغة لغوية مقسومة إلى قسمين: قسم يتم به إيقاع الشطر الأول؛ وقسم يبدأ به إيقاع الشطر الثاني (كشك، 1989، ص7). وقد رأت نازك الملائكة (د.ت، ص113) أن التدوير يسوغ في البحور التي ينتهي عروضها بسبب خفيف، ومن ضمنها بحر الهزج الذي بنى الشاعر هذه القصيدة؛ إذ التفعيلة في العروض كانت على مقياس (مفاعيلن)، وأيضا أن بحر الهزج أحد المجزوءات التي يكثر فيها التدوير لسهولة نطق البيت إنشاديا في مرة واحدة، ما جعلها قرينة التدوير (كشك، 1989، ص119). وقد رفد الشاعر القصيدة بإيقاع زائد خلال توظيفه لهذه التقنية الموسيقية في أكثر الأبيات، كما استخدمه لتنويع الإيقاع وكسر الرتابة الناتجة عن تكرار نفس التفعيلة في البيت أربع مرات، ولا ننكر ما كانت للتدوير من الوظيفة الدلالية التي تعكس أحاسيس الشاعر وانفعالاته، لأن التعبيرات تابعة للشعور والعواطف.
"التدوير يصور حالة نفسية خاصة تتلاءم مع سرعة الإيقاع وتدفقه" (فودة، 2020)
ولو لا خشية الإطالة لتحدثنا بصورة موسعة، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى بعض الأبيات المدورة، من حيث إن الشاعر استطاع خلال التدوير لذي يتم فيه تقسيم كلمة إلى قسمين، أن يستقطب السامعين إلى أهمية الموضوع الذي عالج في البيت الأول، مشيدا بإسهامات غاندي تجاه وطنه، حيث رفع الشاعر صوته فيه بالمحاولات الذكية التي قام بها غاندي لبناء الألفة والودّ بين الهنود والمسلمين، ودعاه الشاعر في البيت الثاني إلى ثباته على عنايته بتأسيس الدستور الهندي عند المفاوضات في مؤتمر المائدة المستديرة بلندن آنذاك، وكذلك أعطى الشاعر في النص الأخير عنايته الفائقة إلى الأمة الهندية، بما أنه دعا الزعيمَ الهندي غاندي إلى مواصلة مقاومته ضد الاستعمار حتى يحصل شبه القارة الهندية على الحرية والاستقلال التام.
دَعـا الهِـندوسَ وَالإِسلا مَ لِلأُلفَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــةِ وَالوُدِّ
مِــنَ المـــــــــــــــــائِدَةِ الخَـضـرا ءَ خُــذ حِـذرَكَ يـا غَـنـدي
وَرُدَّ الهِــــــنــــــــــــــــــــــــــــــدَ لِلأُمـ مَـــــــــــــــةِ مِـــن حَــدٍّ إِلى حَــدِّ
ومن النقاط المشار إليها في القصيدة والتي برزت فيها موهبة الشاعر الفذة، أن الشاعر قد عمد في التقطيع العروضي لبعض الأبيات إلى تقسيمها على أجزاء حيث تتساوق مواقفها التقسيمة مع مواقف التقطيع العروضي، وقد ذهب بعض النقاد إلى اعتبار هذه الظاهرة تقسيماً وزنياً، وأطلق عليها بعضهم بــــ"التقطيع" (الطيب، 1989، ص319؛ القيرواني، 1972، ص360)، وذلك مما يضيف على النص الشعري نغماً قوياً، ويزيد من تحقيق المعاني وتأكيدها بترتيبها وعرضها. وعلى الرغم من أننا وجدنا أن الشاعر لا يكثر من هذا الأسلوب الفني في القصيدة، لكننا لاحظناه أحيانا يسجله على مستوى البيت الشعري كاملا، وأحيانا أخرى يقصره على مستوى الشطر الواحد للبيت، على نحو ما نقف في النصوص الآتية:
وَفـي الجُـرحِ / وَفي الدَمعِ وَفـي النَـفـيِ / مِـنَ المَهدِ
وَفِلْ جُرْحِيْ وَفِدْدَمْعِيْ وَفِنْنَفْيِيْ مِنَلْ مَهْدِيْ
//0/0/ //0/0/0 //0/0/0 //0/0/0
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
شَـبـيهُ الرُسلِ في الذَودِ عَــنِ الحَــقِّ/ وَفـي الزُهـدِ
شَبِيْهُ رْرُسْـ لِ فِذْذَوْدِيْ عَنِلْ حَقْقِيْ وَفِذْ ذُهْدِيْ
//0/0/0 //0/0/0 //0/0/0 //0/0/0
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
بما أن هذا البحر يتألف من تكرار تفعيلة (مفاعيلن) أربع مرات في البيت، فقد تمكن الشاعر من تقسيمه على أربعة أجزاء كما في المثال الأول، وكذلك التقسيم الذي احتضنه أحد شطري البيت مثل ما نجد في النص الثاني. ونلاحظ أن هذه التقنية الفنية لم تضف إيقاعا متميزا تطرب إليه الآذان فحسب، بل كانت لها أكبر تأثير في إثراء البنية الدلالية التي قامت على الإشادة بالزعيم الوطني غاندي، إذ الشاعر في النص الأول استطاع أن يمجّده ويعظّمه من جانب إسهاماته وتضحياته في مقاومة الاستعمار، وفي الثاني تمكن أيضا من تشبيهه بالرسل في الدفاع عن الحق والزهد في الدنيا.
وبالنسبة إلى السمات الإيقاعية في بنية القوافي، فيُعدُّ حرف الروي من أهم عناصر القافية التي يلزم الشاعر ترديده في كامل أبيات القصيدة. ولاحظنا أن الشاعر قد اعتمد على حرف الدال حيث اختاره حرفا رويا، ذلك أنه من أبرز الحروف التي كثر مجيئها رويًا في القصائد العربية، والتي أطلق عليها بعض النقاد بحروف الذلل (حسين، د.ت)، ويكثر استخدامها بسبب قرب مخرجها من الشفتين (الطرابلسي، 1981، ص45). أضف إلى ذلك، أن الدال صوت شفوي يتصف بالوقفة الانفجارية (بشر، 2000، ص248)، وقد حقق تكراره جوا موسيقيا رائعا يتلاءم مع الجو النفسي لدى الشاعر حيث أشاد في القصيدة بالزعيم الوطني الذي يتماشى معه الشاعرُ في المقاومة ضد الاستعمار الإنجليزي، وتمكن الشاعر خلال ترديد هذا الصوت الجهوري من نسب العظمة والفخامة إلى من أسدى إليه هذا العطاء الشعري، كما استطاع على إبراز موقفه الساخط من الاستعمار الإنجليزي. ويتضح مما سبق أن حرف الروي قد حقق انسجاما موسيقيا وقيمة جمالية للقصيدة، بينما أعطى لها أبعادا دلالية تسلط الضوء على تجارب الشاعر الشخصية وحالته النفسية، على نحو ما نشعر الفخامة والعظمة التي نسبها إلى الزعيم الوطني غاندي خلال ترديد صوت الدال في الأبيات التالية:
قِــفــوا حَـيّـوهُ مِـن قُـربٍ عَــلى الفُـلكِ وَمِـن بُـعـدِ
وَغَــطّــوا البَـــــــــرَّ بِــالآسِ وَغَـطّـــــــــــــــوا البَـحـرَ بِالوَردِ
عَـلى إِفـريــــــــزِ راجـبـوتـا نَ تِــمــثـــــــــــــالٌ مِـنَ المَـجـدِ
نَــبِـيٌّ مِـثـلُ كـونـفُـشـيــــو سَ أَو مِـــن ذَلِكَ العَهـــدِ
وقد عمد الشاعر إلى إطلاق قوافي القصيدة من دون تقييدها،[4] حيث نهج منهج الشعراء الذي كثرت القوافي المطلقة في إنتاجاتهم الشعرية، في حين أن التقييد في شعر الجاهليين قليل الشيوع حيث لم يتجاوز نسبة 10% (أنيس، 1952، ص258). وتظهر القيمة الفنية بما أنها توحي عن توالي أحاسيس الشاعر بجانب توالي الأبيات:
"إن إطلاق الروي في القصيدة يبني تلاحما ينتقل إلى الجمهور حين لا يجد فتورا بين الأبيات، بل يجد البيت آخذ بتلابيب عقبه مفعما بتوالي أحاسيس الشاعر وتدفقها، لذا فالقصيدة المقيدة أخف وطأة على أحاسيس المتلقي" (عمران، 2008م: ص194).
وقد وجد الشاعر شوقي خلال إطلاق القوافي مسحةً إمكانيةً تستقطب نفوس السامعين إلى أحاسيسه وانفعاله، إذ نرى في المدّ عند الإطلاق ما يوحي عن تأثر الشاعر بشخصية الزعيم المهذبة ومسيرته في النضال الوطني حيث سلط بعض النقاد الضوء على أن النبر الناتج عن المدّ يعدّ جهارة كلمة القافية (عبد اللطيف، 1999، ص176). كما في الأبيات التي أشاد الشاعر بدوره في مسيرة الملح:
سَــــلامٌ حـــالِبَ الشـــاةِ سَــــلامٌ غــــــــــــــازِلَ البُـــردِ
وَمَـــن صَـــدَّ عَــنِ المِــلحِ وَلَم يُـقـبِـل عَـلى الشُهدِ
وَمَــن تــركَــبُ ســاقَــيــهِ مِـنَ الهِـنــــــــــدِ إِلى السِـندِ
وتنقسم القوافي المطلقة وفق العناصر التي يبنى عليها الشاعر إلى أقسام متفاوتة الإيقاع من جانب كثافته، فأقلها موسيقى ما كان فيها الروي مسبوقا بساكن، ثم ما سبق فيها الرويَّ متحركٌ، ثم ما أردف بالواو أو الياء، ثم المردوفة بالألف، والقوافي المؤسسة تعدّ أعلاها موسيقى (حمد، 2017، ص173). وإذا أخذنا هذا التصنيف على قصيدة شوقي هذه، لوجدنا فيها القوافي تمثلت الإيقاعية في أدنى درجة من الكثافة لما أن حرف الرويّ قد سبقه ساكن، على الرغم من أن الشاعر كثيرا ما اعتمد على بناء القوافي متوسطة الكثافة إيقاعيا (محمد حفيز، 2022، ص166).
وفيما يتعلق الأمر بتصنيف الموسيقى على حسب الحروف والحركات التي يلتزمها الشاعر في القافية، فكلما يزداد عددها تصير أوفر إيقاعًا وأجمل، وبناء على هذا، وقد ذهب العروضيون إلى تقسيم القافية إلى خمسة أقسام: يتألف كل من المترادف والمتواتر من مقطع واحد أو مقطعين من النوع المتوسط، بينما يتكوّن المتدارك والمتراكب والمتواكس من مقاطع صوتية ثلاثة أو أربعة أو خمسة على التوالي (كمال الدين، 2007، ص34). وأما بالنسبة إلى القصيدة التي نعرضها في هذه الدراسة، فقد وقفنا أن الشاعر سجل فيها القافية المتواترة؛ وهي التي يكون فيها حرف الروي المتحرك بين ساكنين، ما يُثبت أن الشاعر لجأ إلى الإيقاع المتوسط حيث لم يسجل الإيقاع البليغ ولا بالضعيف، ولعل الشاعر اختار هذا النوع لما يكون فيها الروي بارزا ولامعا في النطق والسمع بين الساكنين، كما هو موضح في التقطيع العروضي الآتي:
وَنـادى المَـشرِقَ الأَقصى فَـــلَبّـــاهُ مِـــنَ اللَحـــدِ
//0/0/0 //0/0/0 //0/0/ //0/0/0
وَجـاءَ الأَنـفُـسَ المَـرضى فَــداواهــا مِــنَ الحِـقـدِ
//0/0/0 //0/0/0 //0/0/0 //0/0/0
وفي القوافي المطلقة تكسب حركات الروي أكبر أهمية من الناحية الموسيقية، لأنه لا بدّ من اتساقها في جميع أبيات القصيدة حتى تتوفر الموسيقى اللازمة، إذ من اللازم أن يستلزم الشاعر إحدى الحركات الثلاثة منذ أول بيت إلى نهاية القصيدة، وإلا يعدّ ذلك عيبا قادحا في نظام القصيدة. وأما شاعرنا شوقي فقد اعتمد على المجرى المكسور في القصيدة، وقد اعتقد بعض النقاد أن صوت الكسرة فيه إيحاء بالانكسار واللين ما يجعله أكثر ملائماً للعواطف الرقيقة الحزينة (الطيب، 1989، ص87). وإذا طبقنا هذا القول على القصيدة لرأينا الشاعر موفّقاً في اختيار مجرى الكسرة، بسبب أنها تناولت معاناة الزعيم الوطني غاندي وتجاربه الحزينة التي واجهها في مقاومته ضد الاستعمار الغاشم، إذ صاغت أنامل الشاعر هذه القصيدة تحيةً لغاندي حين مروره بمصر سنة 1931 م، في طريقه إلى لندن، وذلك عقب "مسيرة الملح" ضد الاستعمار سنة 1930م، وبالتالي تم اعتقاله بسببها وأبلى في السجن بلاء حسنا.
ولم تظهر في القصيدة نزعة الشاعر أحمد شوقي إلى تسجيل ظاهرة لزوم ما يلزم في القافية،[5] غير أن التزامه بالتراث ظهر جليا في بناء القوافي حيث جاءت على الصورة المشترطة، إلا أننا نلاحظ عيبا لم يعدّه بعض العروضيين عيبا قادحا، وهو سناد الردف؛ هو أن يجيء بعض الأبيات مردوفة وبعضها الآخر غير مردوفة (السمان، 1986، ص259)، لأن القصيدة نظمها الشاعر خالية من الردف إلا في البيت الآتي، وقد أردف فيه بحرف اللين، في حين أن بعض العروضيين يرى انسجام حرف اللين مع غيره إذا كان نادرا (منتدى العروض رقميا، 2022م).
وَفـــي زاوِيَـــةِ السِــجــنِ وَفــي سِــلسِــلَةِ القَــيــدِ
توصلت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج، ومن أهمها:
المراجع:
ابن طباطبا، علي بن محمد بن أحمد. عيار الشعر، التحقيق: عباس عبد الساتر، بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 2005م.
ابن منظور، محمد بن مكرم. لسان العرب، بيروت: دار صادر، ط3، 1414هـ.
أنيس، إبراهيم. موسيقى الشعر. قاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1952م.
البحراوي، سيد. العروض وإيقاع الشعر العربي، القاهرة: هيئة المصرية العامة،1993م.
البحراوي، سيد. موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو، Kotobarabia.com، 2006م.
بشر، كمال. علم الأصوات، القاهرة: دار غريب، د.ط، 2000م.
الجزيرة، المهاتما غاندي، <https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2014/12/23> شوهد في 4 أكتوبر 2022.
حسين، طه؛ وآخرون، شرح لزوم ما لا يلزم لأبي العلاء المعري، القاهرة: دار المعارف، د.ت.
حمد، عبد الله خضر. ديوان عبد القادر الجيلاني: دراسة أسلوبية، بيروت: دار القلم، د.ط، 2017م.
خلوصي، صفاء. فن التقطيع الشعري والقافية، بغداد: مكتبة المثنى، ط5، 1977م.
الرافعي، عبد الرحمن. شعراء الوطنية في مصر، القاهرة: دار المعارف، ط3، 1992م.
سعد، يوسف. غاندي، القاهرة: المركز العربي الحديث، د.ت.
سلطاني، محمد علي. العروض وإيقاع الشعر العربي، دمشق: دار العصماء، ط2، 2010م.
السمان، محمود علي. العروض القديم: أوزان الشعر العربي وقوافيه، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1986م.
السوسنة، بحر الهزج، <https://www.assawsana.com/article/484561> تاريخ الاطلاع: 09 من شهر سبتمبر 2022م.
شوقي، أحمد. الشوقيات، بيروت: دار العودة، 1988م.
ضيف، شوقي. شوقي شاعر العصر الحديث، القاهرة: دار المعارف، ط۸، ۱۹۸۲م.
الطرابلسي، محمد عبد الهادي. خصائص الأسلوب في الشوقيات، تونس: منشورات الجامعة التونسية، د.ط، 1981م.
الطيب، عبد الله. المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، الكويت: مطبعة حكومة كويت، ط2، 1989م.
عبد الجليل، عبد القادر. هندسة المقاطع الصوتية، عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع، 1998م.
عبد اللطيف، محمد حماسة. البناء العروضي للقصيدة العربية، القاهرة: دار الشروق، ط1، 1999م.
عتيق، عبد العزيز، علم العروض والقافية، بيروت: دار النهضة العربية، 1987م.
عمران، عبد النور داود. البنية الإيقاعية في شعر الجواهري، رسالة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، جامعة الكوفة، 2008م.
الغرة، محمد هيثم. المستشار في العروض وموسيقا الشعر، دمشق: دار القلم، ط1، 1415ه.
القرطاجني، حازم بن محمد. منهاج البلغاء وسراج الأدباء، التحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، تونس: الدار العربية للكتاب، ط3، 2008م.
القيرواني، ابن رشيق. العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، بيروت: دار الجيل، 1972م.
كشك، أحمد. التدوير في الشعر: دراسة في النحو والمعنى والإيقاع، القاهرة: د.م، 1989م.
كمال الدين، حازم. نظرية المناسبة الإيقاعية في القافية، القاهرة: مكتبة الآداب، ط1، 2007م.
محمد حفيز، محمد شريف. الشعر الوطني بين الشاعرين محمود سامي البارودي وأحمد شوقي: دراسة تحليلية فنية وموازنة، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية عبد الحميد أبو سليمان لمعارف الوحي والعلوم الإنسانية، الجامعة الإسلاميّة العالميّة-ماليزيا، 2022م.
مصطفى، محمود. العروض والقافية، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، 2005م.
الملائكة، نازك صادق. قضايا الشعر المعاصر، بيروت: دار العلم للملايين، ط5، د.ت.
منتدى العروض رقميا، < https://www.arood.com/vb/showthread.php?t=7701> شوهد في 1 أكتوبر 2022.
وادي، طه. شعر شوقي – الغنائي والمسرحي، القاهرة: دار المعارف، 3ط، 1985م.
[1] الموسيقى الخارجية متمثلة في البحور الشعرية، والموسيقى الداخلية يولدها الشاعر داخل قصيدته باستعمال عدة صور وأساليب (حفيز، 2022، ص140).
[2] إذا ورد حرف من الحروف في البيت الأول للقصيدة، فلا بد من الالتزام به في جميع أبيات القصيدة (محمود، 2005، ص144).
[3] الوافر التام يرتكز بناؤه على تكرار تفعيلة (مفاعلتن) ست مرات في البيت، ومجزوءه يحذف فيه التفعيلة الأخيرة من كل الشطرين، ويجيز العروضيون العصب في مجزوء الوافر، وهو تصيير (مفاعلتن) إلى (مفاعلْتن) بإسكان اللام، وهذه تساوي مفاعلين (الطيب، 1989 ص136).
[4] القافية المقيدة هي ما كانت ساكنة الروي، والمطلقة ما كانت متحركة الروي (عتيق، 1987، ص164).
[5] هو نوع من التقيد الصوتي يلزم الشاعر نفسه فيه، ويضع بناء القافية في دائرته ويلتزم قبل صوت الروي معه، حرفا مخصوصا أو حركة معينة (عبد الجليل، 1998، ص169).